فجعت - كما فجع غيري - برحيل الصديق الكبير الاستاذ محمد صادق دياب رجل الفكر والادب والصحافة - يرحمه الله - فهو ممن يكون فقدهم خسارة كبيرة، لما كان يتمتع به من الخصال الحميدة التي عُرف بها طوال حياته: ادباً وثقافة وحسن خلق وقد برز بقوة في فن الصحافة والقصة عندما يمارس الانثريولوجي لحياة الحارة في الزمن القديم يتمتع بإلهام عجيب عندما يمارس نشاطاته المتميزة وهو الذي محض مدينة جدة من الحب والانتماء ما لم تجده عند غيره .. ولعلي لا اجانب الحقيقة عندما اتحدث عن مصداقيته وكأنه اشتق من اسم أبيه مبدأ الصدق في زمن كثر فيه اعداء هذه الميزة الانسانية التي لا يعتنقها إلا الكبار.. واني لمدين لابي غنوة بالفضل إذ قبلني كاتباً في مجلة إقرأ عندما كان رئيساً لتحريرها تحت عنوان "رايات" وعمل على صرف مكافأة نقدية منتظمة كانت تصلني بتوقيع الاستاذ امين العبدالله مدير عام مؤسسة البلاد يرحمه الله ، وقبل ان اصدر كتابي الاخير اخترت له عنوان "يتيم تحت الشمس" لانه شبه سيرة ذاتية ترصد بعض جوانب الحياة في القرية الجنوبية قابلته بالمصادفة في فندق قصر الرياض وقد سألني عن نشاطي الثقافي وكان معه اخوه احمد الذي احزنتني عبارته المؤثرة : "اعذروني" رافضاً التعليق على موت شقيقه، فالحزن الصادق لا يمهل المصاب به ان يتحدث او يعلق على ما حدث من هول الصدمة .. ولما علم - يرحمه الله - بمادة الكتاب اقترح أن يكون عنوانه الاقرب إلى محتواه : "بين هؤلاء عشت" فاستجبت لاقتراحه الكريم لانني متأكد من صدقه.. لقد كان الفقيد الغالي حقيقاً بالحب من لدن الكثيرين لكن الموت يختار اصحاب الآجال من غير استئذان إذ هو مأمور من المحيي المميت ولا نملك جميعنا الا التسليم بأمره، والموت كما في حال الاستاذ محمد صادق دياب قد فلسفه الشاعر العربي عندما قال : "والموت نقاد على كفه جواهر يختار منها الجياد" ولعمري أن أبا غنوة من انفس الجواهر الوطنية والانسانية والأدبية التي يكون غيابها محزناً لكنا لا نملك الا الدعاء له من الاعماق بأن يسكنه الله فسيح جناته ويعوضه في حياته بجوار الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً .. واحسن الله عزاء آله وذويه وعظم اجرهم .. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".