مع التطور الذي تشهده الحياة يوماً بعض يوم تتولد العديد من الظواهر الاجتماعية الجديرة بالدراسة لأن تركها دون دراسة وتحديد الأسباب وسبل العلاج قد ينتج عنه تداعيات لا تحمد عقباها, ففي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة المعاكسات بين المراهقين من الجنسين وهي تحدث في مرحلة عمرية حساسة وهامة في الحياة وتكوين شخصية المراهق، وخاصة إذا كان المراهق يعاني من غياب الأب والأم داخل الأسرة وفقدانه للقدوة الحسنة في حياته وتركه بلا رعاية أو مراقبة. وأرجع باحثون أسباب ذلك إلى غياب التوجيه الأسري وتراجع الدور الأخلاقي في المدارس والجامعات، وتراجع الأدوار التربوية الأخلاقية في القطاعات التعليمية، فلم يعد أمام الشباب وخاصة الطلاب في ظل غياب تلك المعطيات، بالإضافة إلى انتشار البطالة وقلة الأماكن التي يمكن أن يرتادوها لممارسة هواياتهم المختلفة، إلا التوجه نحو الممارسات المستهترة كالمعاكسة. وقد ألقى العديد من المتخصصين بالمسئولية على الإعلام, فقد أرجع أخصائيون في الطب النفسي أسباب انتشار معاكسة البنات إلى ما يُعرض في الأفلام وعبر المسلسلات، حيث تظهر البطلة في صورة بنت متحررة وجريئة، فتكون هي البنت المحبوبة والمقبولة، أما البنت الخجولة فهي موضة قديمة، مما جعل معظم البنات يلغون عقولهم ويبدأون في تقليد صورة البنت المتحررة. وظهرت مؤخراً بجمهورية مصر العربية حملة شبابية بموقع التواصل الاجتماعي ال" فيس بوك " للاعتراض على ما أسموه (معاكستهم من قبل البنات) وشنّوا هجوماً عنيفاً على الفتيات اللاتي يقمن بمعاكسة الشباب وأبدوا استغرابهم في الوقت نفسه عن كيفية قيام الفتيات بمثل تلك التصرفات. وسعى فريق بحثي سعودي، بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إلى دراسة أهم العوامل البيئية المسببة أو المساعدة على انتشار المعاكسات من خلال تحليل اجتماعي ونفسي متكامل، بالإضافة إلى رصد أهم التداعيات والآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والأمنية المترتبة على المعاكسات. واعتمد المشروع الذي تدعمه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية على المنهج العلمي من خلال دراسة استطلاعية من المنظور البيئي المتكامل لأسباب هذه الظاهرة وآثارها وطرق الحد منها من خلال مجموعة من الإجراءات المنهجية المتكاملة، والظاهرة تحتاج إلى دراسات مستفيضة، ليعود الزمن إلى سابق عاداته وتقاليده المستمدة من الدين الإسلامي.