كان ذلك في بداية السبعينات الميلادية على ما أذكر عندما وجدت نفسي فجأة وجهاً لوجه أمامه، كان رجلاً هرماً وإن كان حيوياً، يعتمر "كوفية" من ذات قماش الثوب الذي كان يرتديه، كان يجلس على أحد المقاعد المتناثرة في ذلك الصالون يستمع إلى "مذياع" ضخم كان بجانبه، لقد توقفت قليلاً كأنني استعرض صوراً لعلي أتعرف من بينها على من هو هذا الذي يجلس متكئاً واضعاً قبضته على خده الأيمن، ولكنني سرعان ما اقتربت منه بعد أن تعرفت عليه في ذاكرتي التي اسعفتني بالتعرف عليه، إنه الشاعر الكبير الأستاذ أحمد رامي، كان ذلك في منزل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة أيامها، كانت لحظة شعرت أن "الحظ" كان معي سعيداً على رأي شاعرنا الكبير فائق عبدالجليل - رحمه الله - اقتربت منه وأنا اشعر أن شيئاً - ما - يغسلني من الداخل، هل هذا هو صاحب رق الحبيب، ومترجم رباعيات الخيام وعشرات الأغنيات التي عاشت في وجداننا ؟. *** ولأنه رامي فلا بد من الحديث عن قيثارة الفن أم كلثوم. وقبل أن اسأله شيئاً عنها تفاجأت بقوله:إنكم يا ابني لم تستمعوا إلى أم كلثوم. قلت كيف وأنا الذي ادعي بأن لدي هواية كتابة تفاصيل حفلها عبر "الراديو" ابتداء من مكان الحفل وكاتب الكلمات والملحن ونص الأغنية وتاريخ اذاعتها، فقلت له كيف هذا يا استاذ؟. قال إنكم تستمعون إليها عن طريق "المايكرفون" اسمعها بدون هذا – الجهاز- اللاقط لتستمتع بحلاوة الصوت وبتموجات "بردات" اللحن وجمال الأداء. لقد كان رامي واحداً من "سحرة" الكلام الذين إذا تحدثوا لا تريد أن يتوقفوا عن الكلام تماماً كما الدكتور طه حسين والفنان الكبير محمد عبدالوهاب، إنه يملك من المفردات والقدرة على صياغة الجملة الغارقة في الشجن بتلك الخلفية التراثية وبتلك الثقافة العميقة. قلت له وأنا أحاول مغادرة المكان حيث امتد الحوار لساعة متأخرة جداً من الليل: لماذا يلمح المستمع أنك تتذلل للحبيب كما قلت: عزت جمالك فين من غير ذليل يهواك ، أو عندما قلت في أغنية خي حبيبي اللي آسى يا خي . قبل أن أكمل قال: يقولون إن الشعر أعذبه أكذبه أبداً إن أعذبه عذابه. إنه رامي شاعر الشباب تلك المجلة التي كان ينشر فيها قصائده فلصقت به والتصق بها. تذكرت كل هذا وأنا استمع إلى بعض نصوص الغناء هذه الأيام وإلى بعض الأصوات التي لا تجد في صوتها تلك الحلاوة ولا ذلك التطريب. إنه أشبه ما يكون بالصراخ. و ب "النطنطة" أمام المايكرفون الذي يكاد يدخله أو تدخله في فمها لكي تُسمع من لا يسمع في هذه "الدوشة الغنائية". رحم الله رامي.