شاركتني رشا ووالداها والجار فرناندو إفطار صباح يوم الجمعة الفائت في الفندق الذي أقيم فيه بدمشق، لتوديعي وأنا في طريق العودة إلى مدريد. انصب حديثنا حول كلمة الرئيس المصري مساء أمس الخميس، التي أكد فيها تصميمه على إكمال مدة رئاسته، في وقت كانت الفضائيات من عربية وأجنبية تتوقع منه أن يعلن تنازله عن منصب رئيس الجمهورية استجابة لرغبة الشعب المتمثلة في عشرات الملايين من المواطنين الذين أمضوا الأسبوعين الماضين في ميادين وساحات كافة المدن والقرى، مطالبين بتنحيته عن منصبه وبإسقاط النظام. كان القلق باديا على وجه ضيوفي، فاليوم هو يوم جمعة، وأن المواجهة مع قوات القمع بعد الانتهاء من الصلاة، وفور خروج المصلين من المساجد إلى الشوارع، ستوقع المزيد من القتلى والجرحى. الجار فرناندو كان المتفائل بيننا، فهو، وقد سمع دعوة الحشود في ميدان التحرير الجيش ليحسم الأمر، على ثقة من أن الجيش سيقف وقفته المشرفة مساندا للجماهير للحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، كما خاض معركته المشرفة في الثالث من أكتوبر 1973 فأعاد لقواته المسلحة وللشعب المصري الثقة بالنفس والأمل بالمستقبل. أيده والد رشا بدليل موقف الجيش من المتظاهرين الذين كان بينه وبينهم ود متبادل، وبقيت رشا ووالدتها يصليان لحقن الدماء وتحقيق آمال الملايين من المصريين في مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة. نذرت والدة رشا صوم ثلاثة أيام إذا مر هذا اليوم بسلام، ووعدت رشا بصوم أسبوع بطوله، وعلق الجار فرناندو على صيام رشا لأسبوع بقوله أن الوجبات الدسمة التي يقدمها المطبخ السوري تتطلب صيام شهر كامل على أقل تقدير، فكل الوجبات التي تناولها كانت شهية ولذيذة وممتعة. ذكر لي أن عشاءهم في مطعم النارنج بالطريق المستقيم ( ويقصد سوق مدحت باشا الذي ورد ذكره في الكتاب المقدس) كان عشاء لذيذا ومشهيا يستحق الإعادة، فهناك أطباق من المطبخ السوري القديم، قديمة قدم الشارع الذي يقع فيه المطعم، لم يتذوقها بعد وتذوقتها الملكة صوفيا في آخر زيارة لها لدمشق، وأن الكبة النية ولحمة الهبرة التي تناولوها في مطعم التراث بصيدنايا كانت أكثر من شهية، ناهيك عن الموقع المميز للمطعم والطبيعة الساحرة التي تحيط به، وأنه يفكر جديا بتمضية أسابيع من الصيف القادم ما بين دمشق القديمة وقريتي صيدنايا ومعلولا ليعيش التاريخ، وطلب مني أن أختار له من كتب التاريخ والتراث ما يفيده في إثراء معرفته بتاريخ سوريا القديم واستعادة ما سبق ودرسه في الجامعة عن تاريخ المشرق العربي فاقترحت عليه موسوعة تاريخ الحضارة للدكتور أحمد داوود، وهي متوفرة في المكتبات. في هذه الأثناء تلقت رشا هاتفا من خالة أمها المقيمة في بيت لحم، ودار الهاتف المحمول على الوالدين والجار فرناندو. فهمت من الحديث الذي دار بينهم أن فستان زفاف أنطوانيتا جاهز، وأنه سيرسل من بيت لحم إلى قريب لهم مقيم في عمان، وأنها فرصة لزيارة الأردن والوقوف على ما في البلدين: سوريا والأردن من آثار رومانية. تناولت رشا ورقة وقلما وسجلت عناوين أشهر الحرفيين في حياكة البروكار، وختمت المحادثة الهاتفية بقولها أن اليوم هو يوم الجمعة وغدا هو يوم السبت، وهما يوما عطلة في دمشق، وأن يوم الأحد مخصص لزيارة قرية معلولا، وبالتالي ستبدأ زيارة الحرفيين صباح يوم الاثنين ليختار الجار فرناندو ما يناسبه من قماش البروكار، وبعدها يأخذون طريقهم جنوبا إلى الأردن، وأنها تود من قريبهم في عمان أن يرتب لهم أمسية في البر ومنسف البادية الأردني، فالقمر على وشك الاستدارة، وليس أجمل من سمر في ضوء القمر ليلة تكامله. أوصلتني رشا إلى المطار ، وافترقنا على وعد بلقاء قريب في مدريد لتنجز ترتيبات فرح أنطونيو وأنطوانيتا. ووصلت مدريد، وعرفت بأن الرئيس مبارك قد تنازل عن منصبه، وأن يوم الجمعة مر بسلام، فحمدت الله على كرمه ورفقه بأشقائنا شعب مصر العظيم. مدريد