عادت رشا إلى مدريد ومعها فستان زفاف أنطوانيتا الذي انتقت العروس تصميمه من كتالوج أشهر مصمِّمي الأزياء في إسبانيا، واختارت رشا قماشه من البروكار الدمشقي، وخاطته خالة والدتها المقيمة في بيت لحم التي حصلت على القماش من متجر في عمَّان. وبدأ العدُّ التنازلي لموعد العرس ولسفر العروسين أنطونيو وأنطوانيتا إلى طوكيو بعد أن عرَّفتهما رشا إلى الصديق الياباني المشترك عبر الشاشة الإلكترونيَّة، وحصلا على وعد منه بأن يرتِّب لهما برنامجًا يلائم المناسبة. في لقاء دوريٍّ سابق للجيران، دار بين الحضور حديث شيِّق وممتع عن اليابان وعن عادات اليابانيين وتمُّيزهم. انفردت رشا بصديقتها أنطوانيتا لتحدِّثها عمَّا أثار إعجابها وتقديرها من إكرام اليابانيِّين للضيف، ورغبت منها ومن أنطونيو أن يتعوَّدا على الجلوس الطويل على الركبتين فوق البساط ليستمتعا بالحياة اليابانيَّة كما يعيشها اليابانيُّون. وعلى الأرجح، سيدعوهما الصديق الياباني إلى بيته حسبما ذكر لها في آخر اتِّصال بينهما. لذا عليها أن تقدِّم هديَّة رمزيَّة، وتتوقَّع هديَّة مماثلة من الصديق وزوجته. تبادل الهدايا أمر محبَّب لدى اليابانيِّين يحرصون عليه في العديد من المناسبات. ولفتت انتباهها بألاَّ تفاجأ بصغر مساحة بيته، فغالبيَّة اليابانيِّين يعيشون في مساكن تقلُّ مساحتها عن الأربعين مترًا مربَّعًا، غير أنَّها منازل أنيقة التصميم وبسيطة التأثيث. كلُّ متر مربَّع فيها مستخدم بشكل عمليٍّ، خلافًا لبيوتنا التي نستخدم ربع مساحتها، ونترك ثلاثة أرباعها للمناسبات القليلة والنادرة. وهم يتكيَّفون مع المساحة القليلة بتوفير غرفة معيشة متعدِّدة الاستعمالات ومفروشة بالتتامي، (بنوع من الحصير طيِّب الرائحة وناعم الملمس)، تتوسَّطها مائدة أنيقة منخفضة الارتفاع، تسمح للجالس حولها على ركبتيه بتناول ما عليها من طعام وشراب. وغرفة نوم رئيسة لا تتعدَّى مساحتها ثمانية أمتار مربَّعة، وغرفة أخرى بمساحة لا تتعدَّى الستَّة أمتار مربَّعة، ومطبخ صغير، وحمام أصغر يضمُّ كرسيًّا مصمَّمًا بأحدث الطرق الصحيَّة، ومغسلة، ودوش، ومغطس ماء. ولفتت نظرها أيضًا إلى خلع الحذاء عند مدخل المنزل واستبداله بشبشب تقدِّمه لها زوجة المضيف، وذلك لحرص اليابانيِّين على نظافة منازلهم. وحدَّثتها عن آداب المائدة اليابانيَّة وبرتوكول استخدام "الشوبستيك"، (العيدان الخشبية التي تحلُّ محلَّ الشوكة والسكِّين، تُستخدم لمرَّة واحدة وترمى بعد الاستعمال ليعاد جمعها فيما بعد في مستودعات المخلَّفات والتصنيف، لتدوَّر إلى مُنَتج آخر)، كما لفتت نظرها إلى الطريقة الأمثل لاستخدام العيدان، وعدم وضعها فوق الطبق، بل بجانبه. ومن غير اللائق التحدُّث واليد ممسكة بالعودين، وللشوربة ملعقة خزفيَّة، ويُستحسن عند تناول الشوربة إصدار صوت يوحي لسيِّدة المنزل بأنَّ الشوربة متقنة التجهيز. ولم يفت على رشا تنبيهها إذا ما اضطرت لدخول الحمَّام أن تخلع شبشبها عند بابه، ففي داخله شبشب مخصَّص للحمَّام. سألتها أنطوانيتا عن المغطس البديل من البانيو، فأجابتها بأنَّ الياباني يعشق الجلوس في المغطس لما يوفِّره له من متعة الاسترخاء والراحة، وأضافت بأنَّ الياباني يبدأ استحمامه بالجلوس على كرسيٍّ خشبيٍّ أمام صنبور الماء لينظِّف جسده بالليفة والصابون والماء، ومن ثمَّ يأخذ دشًّا ليزيل آثار الصابون، وبعدها ينزل في المغطس للاسترخاء وسماع موسيقى هادئة واستنشاق مادَّة عطرَّية مضافة إلى ماء المغطس. وغالبيَّة اليابانيِّين يقصدون الحمَّامات العامَّة من وقت لآخر، ولا سيَّما تلك التي فيها مياه معدنيَّة، وهي متوفِّرة بكثرة في العديد من المدن والمنتجعات. وعلى سيرة النظافة والاستحمام، همست رشا في أذن صديقتها خلاصة ما وصلها بالإنترنت من المؤسَّسة الإعلاميَّة "بان أورينت نيوز" نقلاً عن مجلَّة "نيهون غينداي" الصادرة في طوكيو: "أنَّ الرجال الذين يخونون زوجاتهم ولا يهتمَّون كثيرًا لخطر كشف خيانتهم. فقد قال رجل للمجلَّة بقوله: "عدت إلى البيت في إحدى الليالي فاجأتني زوجتي بالقول: لا تنبعث من أقدامك رائحة كريهة كالعادة! فتصبَّبتُ عرقًا." أثار الهمس بين رشا وأنطوانيتا فضول بعض الحضور، فردَّت عليهم رشا بأنَّ الموضوع خاص بالسيِّدات المتزوِّجات، ولكنَّها ستختصره بالقول: بأنَّ العفَّة من الإيمان، وعلى الرجال أن يقوُّوا إيمانهم.