في الثلث الأخير من القرن الماضي، دأبَ عددُ كبيرٌ من الكُتاب و الباحثين الجادين على الاهتمام بالبيئة ومستقبل الانسانية ..في السعي الحثيث في محاولة ايقاف -أو الحد من- التدهور الكبير في الموارد الطبيعية في الكرة الأرضية، وفي تنبيههم الى دور الانسان في ذلك، بما فيه المساهمة الدائبة في جرح غلاف الأوزون و أثره الفادح على كوكبنا المسكون.فكان من الكتب العديدة المنشورة ما سمي ب»الانفجار السكاني»، و منها ما كان عنوانه «النمو الصفري للسكان»(حيث الزوجان ينتجان طفلين يخلفانهما)؛ ، بل و أيضا: كتاب «القنبلة السكانية»؛ و غيرها من العناوين والمنشورات والدراسات الرصينة. و في المقابل، طفقنا عبر السنين نسمع من و عن عدد غير قليل من الزميلات و الزملاء من مواطنينا.. و هم يعبّرون عن عدم الحاجة الى النظر الى وضعنا السكاني على أنه «مشكلة»، ..مشيرين بأن وضعنا «غير» ..و ان لنا «خصوصيتنا»؛ ..و ما أغربها من لفظة. وخلال «نقاشهم»، نجدهم يشيرون الى «سعة رقعة بلادنا»، و وفرة «المال»، و كأنهم ينسون أو يتناسون أن المسألة ليست مسألة مال؛ بل أن المسألة هي ذات زوايا و شعب تنموية لا يقوى عليها المال..حتى و لو توافر ..وحتى لو تم صرفه بشفافية ورشد ويتناسون، كذلك، أن رقعة الارض الصالحة اصلاً للعيش الكريم او السكنى البشرية- هي رقيعات محدودة وانها تتضاءل باضطراد يوماً بعد يوم ..بسبب التصحّرِ الدائم و زحفِ الرمال الداهم. (في الأردن، مثلاً، رغم تعدد مصادر المياه و نهر الأردن و اليرموك الخ، فإن الرقعة الزراعية لا تصل مساحتها حتى الى ال10% (..9.8% في 2010م)؛ و ليس بلد النيل و «هِبته»، مصر؛ و ليس بلد «النيلين» -السودان- عن ذلك الواقع الحزين ببعيد. ومع ضآلة رقعة الأراضي الزراعية او حتى الصالحة للسكنى، فإننا نجد ..مصاحباً لذلك.. تفاقم الازدحام السكاني، نتيجة لقلة تنظيم الأسرة!؛ فنجد ان مصر، مثلاً، تنتج ما يقارب المليون (900000 نسمة)سنوياً؛ و 500000 نسمة في سورياًُ.. كل سنة .وغني عن حتى الإشارة الى شُح المياه، أهم و اساس مقومات الحياة؛ وإذا اخذنا حتى دولنا الأكثر ثراءً فإننا نجد معاناة كبرى في توفير المياه في صراع مستميت مع الطبيعة حتى اضطررنا الى تحلية مياه البحر..وذلك بإقامة محطات بعد أخرى على طول السواحل. ومع ذلك سيبقى شحُ المياه مشكلة قائمة ..دائمة. في المقابل، يقوم المجادلون بالكلام عن «توافر السعة و المال» وبتناسي شكاواهم انفسهم وتعبيرهم بحرقة عن: مشكلة القبول في الجامعات، وتكدّس صفوف التعليم العام لتصل حوالي ال50 او حتى ال60 طالباً في الصف الدراسي الواحد؛ بل وحتى بفتح بعض المدارس في دوامين في اليوم الواحد..في محاولة لتلبية حاجات الاعداد الضخمة من السكان؛ ثم ..أيضاً.. شكاوى نفس أولئك المجادلين- من تباعد مواعيد مقابلة الطبيب، أو من طيلة فترة الحصول على قرض عقاري، او من طول فترة الانتظار حتى لحجز قاعة لعقد حفل زفاف..التي قد تصل الى اكثر من ستة شهور. (حسب تعداد 2010م، وصل الحجم السكاني في المملكة: 27.136.977 نسمة!) [email protected] عميد سابق في جامعة البترول.. السعودية