أمام أي منظر خلاب أو لوحة فنية أخاذة ستجد أن ثمة ما يستوقفك لتتأمل وتتعمق بل وتغرق في بحر من التفكير .. القيمة الجمالية الكامنة في هذه الشواهد هي ما يستدعي الانتباه ويجعلك مشدوها مسلوب الإرادة . وإذا ما كان الحديث عن الفنون الشعبية بتنوعها الفريد فهناك قيم جمالية يطول الحديث حولها فقد ظلت هذه الفنون مرتبطة ًبحياة الشعوب بل وقريبة من البيئة المحلية البسيطة التي تعبر عن الماضي الجميل الذي سرعان ما يثير الحنين فينا ويدعونا لإحياء هذه الفنون الأصيلة ، ولعل من ذلك الأهازيج الغنائية التي كانت تغنى في سفر البحارة وفي مواسم جني الثمار وفي الأفراح وفي بعض المناسبات التي تقترن بعادات المجتمع وتقاليده حيث الاحتفاء والتطريب في قالب فني فريد من حيث الألحان والشدو الذي يمتزج بالزخرفة الإيقاعية التي كانت وما زالت تميز أهازيج شبه الجزيرة العربية بشكل عام وأهازيج الساحل الغربي بشكل خاص .. لقد حظيت مدن الساحل الغربي بما يميزها عن غيرها حيث الموقع الإستراتيجي الذي جعلها تتوسط أهم طرق الحج والتجارة قديما وجعل من موانئها البحرية نقاط التقاء ما بين قارة أفريقا وشبه الجزيرة العربية الأمر الذي أكسبها ثراء فنيا فريدا.. فبالإضافة إلى فنونها المحلية المعروفة فقد وفد إليها ألوان بحرية لا تقل روعة عنها كالسمسمية والحدري والموال والعجل والطرب وغيرها لتختلط المهاجرة بالمحلية في توليفة جميلة من حيث الأداء الغنائي والاستعراضات الفنية الأخرى .. بيد أن المؤسف حقا أن هذه الفنون باتت عرضة للإهمال بعد أن اندثر عدد منها في ظل تقلص عدد المهتمين بها وعدم إقبال جيل الشباب على إحيائها وهو ما يدعونا للمطالبة الملحة من مسؤولي جمعيات الثقافة والفنون بضرورة القيام بعمل دراسات ميدانية تهدف إلى الرصد و التوثيق من خلال اخذ المعلومة من ربابين هذه الفنون ومن الثقات العارفين بقوانين وطرق أدائها كما ونتمنى أن تشكل لجان مختصة للقيام بالتسجيل التوثيقي على السيديهات وإنشاء مكتبة فنية تضم هذا الكم من الفن الغنائي الشعبي الأصيل .. إن في هذه الفنون قيما تعكس أسمى المُثل التي تجسد الحضارة وتدعو إلى الفخر وتعزز الانتماء وإحياء تراث الأجداد وهو ما يدفع غيرنا إلى بذل المزيد من الجهد في بناء المكتبات الفنية و توثيق فنونهم و ذلك لأنهم ببساطة أدركوا أن هوية الشعوب مرهونة بفنونها. [email protected]