لن أنسى ما دام قلبي ينبض بالحياة تلك الليلة التي كنت وأشقائي نلتف حول والدنا رحمه الله وهو يصارع المرض على السرير الأبيض في أحد مستشفيات المدينةالمنورة وكانت اعيننا مستمرة تناظر اللوحة الإلكترونية لقياس نبضات قلبه والأرقام تارة تهبط وتهبط معها قلوبنا وتارة ترتفع وترتفع معها نبضات قلوبنا وشئياً من مالنا لقد كانت من أصعب الساعات واللحظات التي عشناها في هذه الحياة ونحن نشاهد الأطباء يحاولون جاهدين استعادة نبضات القلب عن طريق الانعاش اليدوي والأجهزة الطبية المساندة ولكن الأجل قد حان. وأتت ساعة الرحيل عندما أعلن أحد الأطباء تلك الكلمة التي تتقطع منها أنياط القلوب وتتجمد الدماء في العروق وتنهمر الدموع من المآقي عندما قال "البقية في حياتكم لقد انتقل والدكم إلى رحمة الله " كم كان لهذه الكلمة من واقع مرير في نفوسنا واعتصر الألم قلوبنا ونحن نرى الفريق المساند للجهاز الطبي وهو يبادر بنزع الأجهزة الطبية من جسم والدنا استعدادا إلى تجهيزه للدار الآخرة ما أصعب ساعة الفراق وما أشدها وأقواها على القلوب لاسيما وأن من تودعه هو أقرب المقربين إليك إن القلوب لتحزن وإن العيون لتدمع لأنه الموت الذي قال عنه سيد هذه البشرية ورسولها المصطفى كفى بالموت واعظاً إنه هادم اللذات ومفرق الجماعات وليس لنا عند حدوثه إلا التحلي بالصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل والدعاء بالرحمة والمغفرة للميت وترديد إنا لله وإنا إليه راجعون ولاشك أن فاجعتنا كبيرة في وفاة والدنا وعميد أسرتنا ولكن ما يخفف عنا وطأة هذه الفاجعة أن الله عز وجل اختاره للوفاء في أفضل يوم من أيام الأسبوع في خير يوم طلعت عليه الشمس إنه يوم الجمعة المبارك ووري جثمانه الثرى بأرض طيبة الطيبة وفي بقيع الغرقد بجوار قبر رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم ووسط عترة آل البيت رضى الله عنهم إنها حسن الخاتمة التي نحمد الله عليها كثيراً. إنه ومما يخفف من مصابنا الأليم ايضا تلك الجموع الكبيرة التي شهدت الصلاة على جثمان الفقيد في المسجد النبوي الشريف والتي حضرت مراسم الدفن وكذلك التي حضرت أيام العزاء رحم الله والدي العزيز وغفر له وجعل قبره روضة من رياض الجنة وجمعنا به في جنات النعيمي " إنا لله وإنا إليه راجعون" . أحمد محمد سالم الأحمدي