خلال فترة دراستي للدكتوراه كان وادي خب في الجوف موقع من اثنين كنت ابحثهما وأعيش فيهما فترات مختلفة. وكان الموقع الثاني هو جبل الشرق في آنس بمحافظة ذمار وقد قضيت بين المنطقتين اكثر من احد عشر شهرا. كنت أحضر من باريس حيث موقع دراستي الى خب أو آنس مباشرة حيث موقع بحثي وعينتي، وشتان وفرق بين العالمين. المهم في زيارتي الأولى سكنت عند فتاة وأختها الأكبر في منزل كبير جدا ليس فيه سواهما، به عادة رجال كثير من افراد الأسرة كما أخبرنني، لكنهم في تلك الفترة كانوا جميعا يعيشون ويعملون في السعودية ولا يعودون الى خب إلا في عطلات العيد، فيمتلىء المنزل حينها. صباح اليوم الثاني، استيقظت عند صلاة الفجر على صوت عذب يغني وكانت في بعض اللحظات تظهر الكلمات بنغمات واضحة، وقد التقطت بعض الكلمات منها ماتقول فيه مخاطبة النخلة : " يانخلة تعبك لي وثمنك لغيري". عندما عادت كانت تحمل سلة كبيرة من التمر اخذتها الى السطح ونثرتها عليه كي تتعرض للشمس بطريقة للحفظ خاصة بنوع معين من التمر. ثم قدمت لي فطورا مع خبز ساخن أعدته اختها ضمن كمية كبيرة لبيتها ولمدير الناحية وعسكره حيث لم تكن عائلاتهم معهم وكانوا يقدمون لها الدقيق وماتحتاجه للخبز ويدفعون لها كل شهر.وكان موقعهم في منزل مجاور لها وبالتالي كانوا يتناولون الوجبات الثلاث بالخبز ساخنا طازجا فور خبزه. وبهذه الطريقة كن يحصلن على دخل حقيقي. الجهد الشاق مقابل البقاء: سألت الفتاة عما تعني عندما قالت ان ثمن النخلة لغيرها، قالت انها رغم ورثها كبقية اخوتها من الارض والثمر لكنهم لم يقوموا قط بالتقسيم فيما بينهم، ويتولى الأخ الأكبر مسألة بيع الثمار ويرتب الاتفاقات مع الناس ثم عندما يأتي في اجازة العيد يسلم الثمر ويتسلم الثمن ويصرف كل ما أحضره وكل ما تسلمه في ذبائح وعزومات غداء وجلسات قات وتبادل الدعوات وملء المنزل بالضيوف التي عليها بعد أن تذهب أختها الى بيتها أيضا لعودة زوجها وملئه بالضيوف ان تعمل وتكد دون توقف خلال تلك العطلة التي عندما تنتهي يكون الانهاك قد وصل بهن الى منتهاه.وقد وجدت ما يشبه هذه الحالة تتكرر في كثير من المناطق الريفية حيث تكون الأرض وعملها مهمة النساء في الغالب وتكون زيارة الرجال القاطنين في اماكن يجدون فيها عملا اما في المدن القريبة او العاصمة اوالسعودية .إنها حياة نساء شاقة، كل ما يحصلن عليه هو مزيد من الاطفال ومسؤولياتهم وعناية بكبار السن والمرضى ثم تحمل الرجال عندما يحضرون في العيد أو عندما يفقدون لسبب أو آخر مصدر رزقهم. [email protected]