لأول مرة رأيت الدكتور محمد عبده يماني ضحى يوم وهو يعبر الطريق هين المشية خاشع البصر لو تاح لك ان تصادف امرئ هذه صفة لجري في خاطرك على الفور أنك ترى رجلاً من اولئك الذين ننعتهم بطيبة النفس وصفاء النية والكف عن الضرب في غمرات الحياة ولحدثتك نفسك بأن هذا الرجل يستوحسن من الدنيا كأنه بين اهليها غريب.. ولعلك لا تلبث ان تجد الرجل قد اثار بين جوانك عاطفة من التوسم له. والتعرف به الى ذلك وجهه "البشوش" واذا تلقى من محبيه تحية يردها بأحسن منها في وداعة محببة نجلوها وابتسامة. وانك لتجده يسخو بهذه التحية لمستقبليه ويستهديك ما تشهد من امر الرجل فتتابعه في مسيرته وتراه كأنه يخشى ان يشعر بمقدمه أحد .. فإذا جلست إليه .. تعمر القاعة وجوانبها ويكتمل الجمع ويتجاذب الرفاق أطراف النقاش وهو بينهم لاتنبس له شفة ولا يطرف له جفن فتحسب انه ساه . عما حوله لا يجري شيء منه بباله وفي ماأتت في ظنك أذ يداعب سمعك صوت يختلج ترفقا يحاول أن يجد له طريقا في الزحام .. فاذا تبينت القائل عرفت انه الدكتور محمد عبده يماني المنطوي على غفوته . فتأذن له وأنت عليه شفيق ويأتي بحكم تأنس اليه النفوس وتضيق به فسحة الخلاف. ولقد ملكت هواه نزعة البناء والتشييد فعمل مديراً لجامعة الملك عبد العزيز فوقف عليها فكرة وجهده تارة ووزيرا للاعلام يزاول ويمارس عمله وطورا يشرف ويرعى وحيانا يحض ويدعو .. وخير مايمتاز به هذا الرجل البناء في نزعته أنه اجتماعي عصري وأنه واقعي عمليّ .. ذلك أن أفكاره تدور حول هذه الرسالة. لقد قرأت كتابه الذي قدر لي أن أقراءه "فاطمة بنت محمد"حتى لتدهش في شخصية هذا العالم الدارس _ صبغة الاديب الفنان.. وانت اذا قرأت شخصية وتصفحت مختلف الجوانب في شخصيته لطالعت عينك صورة فيها من خصال النزاهة ويقظة الضمير. أنه في الجامعة استاذاً وعلى مكتبه رئيس عمل قاض في معاملاته مع الناس بين قريب وبعيد، قاض فيما يجري به قلمه من مباحث ودراسات وخواطر .. والعجيب في شخصية محمد عبده يماني ان نشأته قد اكتنفتها كل رواعي التحفظ من معتقدات راسخة وتقاليد وتعاليم صارمة، ولكن فكرة توهج والتمع وسط ذلك كله كما يتلألأ الجوهر النقي، وخرج يلتمس الطلاقة في الافق الرحيب فإذا التمسنا، الان حرية الفكر بين الادباء والاعلاميين القيناه منار الطريق.. فاللهم ارحم محمد عبده يماني وأسكنه فسيح جناتك مكة المكرمة