في هذا النهار لن تكون كلماتي طائشة ، ستمر بردا وسلاماً على الرقيب العزيز ، كلمات ترثي نفسها بنفسها . كل الحقائق التي تصادفنا في حياتنا حقائق قابلة للجدل والأخذ والرد ، نستطيع التملص منها والقفز على ثوابتها بطريقة أو بأخرى . تعلمنا في هذه الحياة أن نُسخر ذكاءنا من أجل التلاعب على كل شيء لنبقى في دائرة السعادة أو بالأصح وهم السعادة التي كلما اقتربنا منها وجدناها أبعد . لا حقيقة في هذه الحياة يتفق البشر عليها سوى حقيقة ( الموت ) التي ظلت تحير العقول منذ بدء الخليقة .. الموت الذي لا يقبل الجدل في ماهيته ، ولا في كيفيته ، ووجوده ، الموت الذي لا يقبل المفاوضة في موعده ولا حتى التأجيل .. لا يعترف بالجاه والسلطان وتقديم الوسائط ولا يؤمن بلعبة العاطفة . يأتينا لينزعنا من قوتنا ، وسُلطتنا ، ومن بين المال والبنين ، ومن كل المسافات المتقاطعة فينا . كل القفز والحركات البهلوانية التي تشّربنا تفاصيلها تصبح مجرد قفز على الأحزان ، وهروب من آثار الموت التي تبقى بعد رحيله كأثر السنوات في وجوهنا . جلستُ بالأمس تحت شجرة الذكريات استعيد بعض من ذهب بأثرهم الموت .. كانت القائمة طويلة وقريبة مني للغاية و تساءلتُ ماذا لو كنتُ أنا ؟ كما لو أن الشمس لم تشرق يوما ، ولم تغرد عصافير الصباح ، كما لو أني لم أقبل يد أمي ، ولم أركض في الدروب البعيدة ، كما لو أني لم أحلم ولم أتعثر ... كأني أثر بعد عين .. أوراق منثورة على قارعة الطريق تحركها الرياح الخانقة . معاناتنا مع الموت أننا لا نذكره إلا من خلال الآخرين ، من الأجساد الباردة ، وأصوات الجيران ، وأطفال يقفون بعيدا خلف لهوهم وألعابهم ينتظرون الغياب والوجه المسافر فيه . ومن ثم نخرج من الزحام نحكي عن وجه الحياة الفاتن وجسدها المغري .. عجيبة قلوبنا .. ختاماً يقول أحد الحكماء : عندما يشرف العصفور على الموت تصبح زقزقته حزينة، و عندما يشرف الإنسان على الموت ترتدي أقواله طابع الفضيلة . [email protected]