يبدو أن أصحاب القرار حتى على أدنى المستويات يدندنون حول النظرية الانهزامية والتي تقول: إن لم تكن معي فأنت ضدي، واضعين حدًّا أبديا للحوار الفعال والتباين في وجهات النظر. المنطق السليم يقول: إن الاختلاف في جميع المجالات أمر صحي، فهذه الاختلافات قد تصل بنا في نهاية المطاف للمثالية المنشودة وتعدد أشكال الحلول والفرضيات .. ولكن العقل الإقصائي لا يقبل بغير الرأي الواحد والبقية مجرد أصوات مؤيدة تهلل لرأيه حتى لو كان هذا الرأي هو الخراب بعينه. هذا العقل الإقصائي الذي ينصبك العدو الأول، والداء الذي يجب أن يُجتث ويُعالج بسبب أنك طرحت ما يستحق الوقوف عليه ووضعت إصبعك على مكمن الخلل وربما يكون هذا الخلل هو فكره البدائي الرث الذي مازال متقوقعا في جحره القديم رافضا كل سبل التقدم والإنجاز .. والعجيب أن هذه الفئة من البشر تجد من يدندن معها، ويرقص طربا على (هرطقاتها) العبثية .. فتجد الدعاء له بالعزة والنصر ولغيره من المتمردين على رأيه بالفناء والتنكيل، يصبح البطل المتوج والفارس الذي عاد بالملك المسلوب، وأما أنت فتوسم بكل صفات الرداءة .. فتنبذ كأجرب تساقط جلده والموت مصيره. إذن لا تختلف معي ودعني أهذي كيفما يحلو لي وإلا حُرمت من أبسط حقوقك فأنا من بيده مصيرك. لا تحلم بترقية تنقلك إلى مصاف المتراقصين على نشازي ، وتطويرك مقرون بتوافقك معي وإلا ستبقى أبدا تهرول في نفس الدائرة حتى تنهار عليك سنواتك الثقال ولن تحميك مبادئك التي ملأت عقلك وصدرك. ولو تأملنا واقعنا المترهل لوجدنا أن المحيط مكتظ بمثل هؤلاء والصمود أمامهم ضرب من الخبل .. كم من الوقت سنصمد؟ وهل ستقوي مبادئنا الضربات المتتالية؟ قد يكون هذا تلميحًا لبداية التراجع والتخلي عن بعض مبادئي التي نخرت عقلي وصدري زمناً ولم أجنِ من ورائها سوى تصبير النفس التي ضاق بها الحال من جسد يحملها. لم لا نتوافق ولو بالحد الأدنى، فالحياة مستمرة والمبادئ لن يضيرها بعض التنازلات البسيطة مع تنحية الوجه وغض البصر عن القليل من التجاوزات الفادحة .. ولو تمايلنا بعض الشيء على نشاز الصوت الغوغائي فلن يلحقنا من اللوم غير اللوم على الخصر الذي لم يمتلك بعد مرونة الميل الحفي!! ربما تتغير النظرية يوما لتصبح أكثر تواكبا مع متطلبات ترهلنا المقيت ولا مانع لو قلنا : إن لم تكن معي فستجبرك الحياة مرغما أن تكون معي .. ويا عجبي!! لمحة عابرة: يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لاَ غِنَى كَالْعَقْلِ، وَلاَ فَقْرَ كَالْجَهْلِ، وَلاَ مِيرَاثَ كَالأَدَبِ، وَلاَ ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ. [email protected]