ربما كان فصلا من حكايات مضت .. كانت تموسق المدى مع تلك النداءات التي يتناغم معها البناءون القدامى في املج ..لكن الذاكرة لا تشيخ أبدا ..فالقصة التي ما زالت تروى بين الأجيال تتحدث عن النسق العمراني القديم في أملج ذلك الذي كان شاهدا على رقي الذائقة التي تُهندس حجارة البناء بطريقة فنية جميلة لترتسم الشواهد لوحة فنية من الروشان والديوان والقاعة والحوش والطاقة والصٌفة .. يقول العم حسن محمد حسن العلاطي الذي كان والده العم محمد حسن من البنائين القدامى في أملج .. البناء القديم في أملج كان يتم بالحجر الذي يجلب من شعب البحر و يسمى (الدومر) وهناك نوع آخر يجلب من البر؛ من (المقرح) وهي قرية معروفة في أملج أو من منطقة كانت تعرف بالخزان وهنا يشاركه العم مناع المرواني أبوعايد قائلا ( عملت في تكسير الحجر الذي يستخدم في بناء البيوت القديمة وكان أفضل أنواعه (الدومر) الذي يجلب من شعب البحر ويحّمل على ظهر الهوارى وكان عدده من 200 إلى 300 في الهوري الواحد لنقوم بعد ذلك بتكسيره وتوليفه بالعتلة والمرزبة ) ويُكمل العم حسن قائلا بطبيعة الحال الحجر يحتاج إلى تسوية وترميم بعد تكسيره وهنا كان البناءون يستخدمون أداة معينة تسمى القراري, تتكون من جزء يشبه الفأس تتعرض له الحجارة لمسح جزئها الأمامي وجزئها الخلفي لتتطابق مع الحجارة الأخرى عند التركيب أما بالنسبة للأسقف فكانت تُعمل من جذوع النخل حيث توضع هذه الجذوع بطريقة طولية ويوضع من فوقها الجريد ثم الخصف أو أكياس الخيش ثم بعد ذلك يتم طميُ الطين على السقف وعن معرفة القياسات والأبعاد يقول كان المقياس بالمتر ( متر .. نصف متر وهكذا ) أما عن الشكل العام يقول : البيوت متشابهه وهي إما أن تكون دور أو دورين وأجزئها الداخلية معروفة ؛ مثلا مجلس الرجال يطلق عليه الديوان والغرفة يقال لها القاعة وهناك الصٌفة وهي عبارة عن منطقة مظللة بين قاعتين وعادة ما تكون مضلعة الشكل وهي مشابهة للصالة في وقتنا الحالي بالإضافة إلى الحوش والسيب والطاقة والروشان. أما أدوات البناء المستخدمة قديما فمنها العتلة والمسحاة والسقالات التي تبنى بالبراميل والخيط والميزان بشقيه المائي والحبلي والمسطرين والشاكوش والدقوم والمركن والزمبيل وعن أهم البنائين في ذلك الوقت فيذكر ابو فهد أن محمد أبو قرنبيش كان مسؤول البناء في بلدية أملج وكان بمثابة مهندس البناء في ذلك الوقت بالإضافة إلى حسين عثمان وأحمد الفرشوطي ومحمد حسن العلاطي وسليمان علاوي وصبيان الحجوري وعزيز عثمان وأحمد علي حامد ومحمود جاد الله ومحمد علي ضيف الله وغيرهم ومن ثم جاء حميد عثمان الذي استلم مهمة البناء في البلدية بعد أن أحيل محمد أبو قرنبيش إلى التقاعد أما بالنسبة للرواشين فكانت تبنى بطريقة فنية جميلة ومن أشهر بنائي الرواشين أحمد سيد و عبدالرحمن النجار وزارع ياسين وعلي عبدالله النجار وشاذلي حسن وصالح أحمد النجار وأسماء أخرى .. وهنا يتفق كل من العم حسن والعم مناع أن المؤسف حقا أن هذه الشواهد والمباني الأثرية الجميلة قد طمست وهدم أغلبها ولم يبقى منها إلا الشيء الذي لا يذكر متسائلين عن دور الجهات المعنية بحفظ هذه المباني الأثرية التي تمثل هوية هذه المدينة الضاربة في جذور التاريخ .. أخيرا هذه تفاصيل موجزة قد يكون لها دلالة أكبر مع هذه الصور التي حصلنا عليها من محفوظات العم صالح محمد يوسف رحمه الله ذلك الرجل الذي حمل على عاتقه أمانة حفظ موروث أملج الأصيل فجزاه الله عنا خير الجزاء ....