ما إن تخرج من بيتك كل صباح حتى تفاجئك زحمة السير في كل اتجاه ، فالموظفون في الدوائر الحكومية يبدأ عملهم في تمام الساعة السابعة وبعضهم في السابعة، وبعضهم في السابعة والنصف : وكذلك الطلاب والطالبات تبدأ حصتهم الاولى في السابعة ، والكثير من الشركات والمؤسسات يبدأ دوام الموظفين فيها في السابعة ايضا، ومما يزد الطين بلة - كما يقولون في المثل - تعرض العديد من السيارات الى حوادث الاصطدام في بعض المواقع المحرجة كالانفاق، وعند اشارات المرور وبين مفترقات الطرق ، وعند المنعطفات ، وعلى مداخل التحويلات الى الجسور، مما يتسبب ذلك في ازدياد الازدحام وتوقف المئات من السيارات عن السير في طريقها المعتاد وتتشكل بذلك نوع من الجلطات الشوارعية المميتة في بعض الاحيان، والمعطلة للحركة في احيان اخرى، او المسببة للشلل الحركي الاعتيادي في اكثر الاحيان، ويتولد بذلك الكثير من التذمر عند غالبية السائقين الركاب معا، ويمكن رؤية ذلك على قسمات وجوههم، واذا كنت قريبا منهم ستسمع ذلك من فلتات ألسنتهم ، ولو كنت راكباً في احدى هذه السيارات الحبيسة ربما تسمع من زميلك الجالس بجانبك أو من السائق الذي تركب معه العديد من العبارات التي تبدأ بكلمة «المفروض على المسؤولين» ، و « لو كان الشارع واسعاً» ، و» لو كان النفق مصمما بطريقة أخرى»، « لو كان هناك دواراً « ، « لو كان هناك نزع ملكيات للمباني التي تقع على ضفتي الشارع» ، الى آخر ما نتحدث به وتتحدث به - أيها القارئ العزيز- وتتحدثون به - أيها القراء الاعزاء - ويتحدث به الاخرون في مثل هذه المواقف المحرجة ، ولكن هذه العبارات وهذا التذمر لن ينفعنا بشيء على الاطلاق، وهي بمثابة «صرخة في واد» لا تنفع مطلقها ولا تؤثر في سامعها، واذا قلت لي: لماذا؟ .. سيكون جوابي : إن السيارات تغزو الارض .. انها تماما كما جاء في رواية « حرب العوالم» لهربرت جورج ويلز التي نشرت في انجلتر عام عام 1898م، التي تحدثت عن غزو كائنات مريخية للأرض، بينما نرى في واقعنا هنا غزو مئات الآلاف من السيارات لأرضنا حتى نكاد لا نرى موطئ قدم لأقدامنا، ولا أبالغ في ذلك إذا ما قسنا المقارنتين بطريقة النسبة والتناسب. وقد تحدث الكثير من الناس - في الكرة الأرضية - ولايزالون يتحدثون عن كثرة السيارات لدى البشر، كما تحدث المهندسون في دراساتهم الهندسية عن تصميم المدن الكبيرة والمدن الصغيرة والقرى الأصغرعن تناسب عدد السيارات مع عدد البشر في هذه الأماكن نظراً لطبيعة مساحتها، ولعلك أيها القارئ العزيز تعرف تماما ان اغلب عوائلنا في المملكة والخليج بل في العديد من الدول العربية تقف امام منازلهم مجموعة من السيارات. ويقول المهندسون: أن الخطأ الذي وقعت فيهه المدنية الحديثة في انشاء بعض المدن هو انها لم تلاحظ عملية التوسع المطرد الذي سيأتي على المدينة شيءا فشيئاً، بحيث تستوعب استقبال الاجيال القادمة جيلاً بعد جيل، كما تستوعب ازدياد عدد الاحياء حيا بعد حي، وبالتالي ازدياد الاسواق والمرافق العامة والمدارس والبلديات وفروع الوزارات ومراكز الشرطة والدفاع المدني والمستشفيات وكل الدوائر الرسمية، واجلى دليل على عدم التخطيط السليم هو حل الاشكاليات التي تقع فيها المدنية الحديثة بحلول غير مناسبة ولها الكثير من الاضرار وعلى سبيل المثال استئجار البيوت لاقامة مدارس للابتدائية والمتوسطة والثانوية، او اقامة مركز صحي باستئجار منزل ، بينما المدرسة والمركز الصحي ينبغي ان يكون لها اشتراطات خاصة ونموذجية تصلح للدور الحضاري الذي تقوم به ، بينما المنزل لم يصمم ليكون مدرسةة أ مركزاً صحياً ، وكذلك الطرقات الداخلية كان من الاجدر ان تكون متناسبة مع حركة النمو المطرد في مجمل الدولة، اضافة الى المعرفة الدقيقة بحركة النمو في مجمل مدن وقرى وهجر المنطقة وهي جزء لا تيجزأ من مجمل الدولة ايضا، ولكن الذي نفاجئ به في واقعنا اليوم ونراه بأم اعيننا كل صباح وظهيرة ومساء ، بل في العديد من الاوقاف هو الازدحام المتزايد الذي جاء نتيجة الاخطاء في التخطيط الذي جرى لمدننا في بداياتها. والله أسأل ان يوفق بلادنا وقادتنا الى ما يخدم مدنيتنا المتطورة والحديثة، وان ينقذنا من الغزو الجديد الذي اضرنا وازعجنا كثيراً، وحتى نلتقي لكم مني كل المحبة. [email protected]