اثناء جلوسي في صالة احد المستشفيات الحكومية الكبيرة جداً في جدة تقدم نحوي احد عمال النظافة وفهمت انه يطلب مني توفير "تمر" للافطار بقية شهر رمضان سواء مساعدته بقيمته او توفيره بأية طريقة مضيفاً أنه لايستطيع تأمينه ولم افاجأ وأنا اسأله عن مقدار راتبه الشهري فقال 250 ريالاً لعلمي ان اكثر عمال النظافة سواء الذين يُستعان بهم في نظافة الشوارع بعقود من الامانات والبلديات او الذين تستعين بهم الشركات المشغلة للمستشفيات لاتزيد رواتبهم عن مائة دولار شهرياً بما يعادل ثلاثمائة ريال سعودي فتجد هؤلاء يحاولون توفير "الراتب" لإرساله للأسرة في بلادهم ويتسول الناس لتوفير طعامه وحاجته الضرورية جداً جداً للحياة . إن وضع هؤلاء ليس وليد اليوم بل هو منذ سنوات طويلة ومعروف لدى الناس خاصة من عمال النظافة الذين يسارعون في تقديم خدماتهم للأهالي ونقل الامتعة وغسيل السيارات ولهم العذر في ذلك فقد اضطرتهم الحاجة وهم يعلمون بتدني الراتب إلا ان احوالهم جعلتهم يرضخون لانعدام الاعمال في بلادهم وقد استغلت الشركات والمؤسسات في بلادنا هذه الحاجة وفرضت عليهم هذه الرواتب الضعيفة جداً والتي لا تزيد عن 8-10 ريالات في اليوم الواحد والمشكلة ان كثيراً من الشركات تمتنع ولعدة شهور عن تسليم هؤلاء رواتبهم مما يضطرهم لاعمال اخرى تؤثر في مستوى اعمالهم الاساسية وقليل منهم يمتنعون عن العمل لمعرفتهم ان الشكوى تحتاج الى مراجعات ومصاريف واشهر ربما جاءت نتائجها صرف جزء من حقوقهم !. اننا نخشى ان يتحول هؤلاء لاتجاه آخر ونحن الذين دفعناهم بعدم تقديرنا لانسانيتهم وما يقدمونه من اعمال مهمة وشاقة ومؤثرة سلباً على صحتهم ومستقبلهم.. اننا نخشى ان يتحول هؤلاء الى "السرقة" وماهو اكبر منها واعرف ان ادارات الشرط تسجل لهؤلاء العديد من الاعتداءات سواء مسروقات او جنايات تقف وراءها "الحاجة للمادة"وما تثير دواخلهم من ألم وبغض وكراهية لنا ولأسرنا.. انني اخاطب الجهات صاحبة العلاقة الداخلية - العمل - حقوق الانسان في بلادنا بإعادة النظر في عقود هؤلاء العمال ومثلهم سيدات في المستشفيات الحكومية والخاصة وتحديد اجر مناسب لهم يقيهم التسول والسرقة ومحاولة توفير المال فهؤلاء يحتاجون الى راتب لايقل عن 40-50 ريالاً يومياً حتى يمكن ان نضمن استقامتهم ونقف امام شرورهم التي كنا خلف انفجارها لاسباب الحاجة للمال الذي لا يستغني عنه انسان وان يتم تحديد اجر شهري مناسب ثم يمكن لنا ان نحاسبهم بعد ان وفرنا لهم حياة كريمة وسكناً مناسباً وغذاءً جيداً وهو مايشمله العقد .. ان هذه امانة هؤلاء يعملون في بلاد "الحرمين الشريفين" وحتى لا ينقلوا عنا بعدنا عن التعامل الانساني او هضم حقوق العامل الذي اوصى عليه شرعنا الحنيف .."ارحموا من في الارض".