كنت أبحث عن شيء في الإنترنت واستوقفتني عبارات كتبها أشخاص في مدوناتهم: "عفوا جاليليو.. أنا مركز الكون والكل يدورون حولي"، "يعجبني السباحة ضد التيار، أنا مركز الكون، ما أراه هو الحق"، "أنا مركز الكون، وما ذنبي أنكم خُلقتم لتدوروا حولي؟"، "يستمر الكون باستمراري ويندثر باندثاري، وأنا مركز الكون، فمرحبا بكم في مداري!". وأخذت أفكر: كيف لإنسان عاقل أن يقول هذا؟ ثم نظرت في أحوالنا فوجدت أن من تلفظ بهذه المقولة قليل، لكن معظمنا يتصرفون بموجبها. وقد قرأت لكاتب غربي قوله: عندما سيُكتشف مركز الكون سيصاب كثير من الناس بخيبة الأمل، لأن كل واحد سيكتشف أنه ليس مركز الكون! تلتقي بشخص لم يغادر حدود مدينته الصغيرة فيتكلم عن مساوئ بلدان العالم ليخلص إلى أن بلده أفضل البلاد، ويحدثك عن بلده فيعدد مساوئ المدن ليستنتج أن مدينته هي الأفضل. ثم يتحدث عن حارات مدينته فيعدد مساوئ أهل كل حارة، ليصل إلى أن حارته أحسنها. وفي حارته يسكن عدد من العائلات الشهيرة، لكن عائلته غير، فهي الأفضل. ويدخل في تفاصيل عائلته ليستنتج أن والده يختلف عن باقي قرابته، فأسرته هي المميزة. وفي أسرته هو الأملح بين إخوته. ليصل بك إلى النتيجة غير المنطوقة بأنه هو أفضل إنسان على سطح البسيطة. عبَّر عمرو بن كلثوم عن هذا المفهوم أصدق تعبير فقال: إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعٌ تخر له الجبابرُ ساجدينا "الأنا" الكبيرة هي حال كثير من الناس بمختلف أنواعهم وجنسياتهم، فهذه من الأمور التي تخص النفس البشرية ولا علاقة لها بدين أو جنسية. نعم، إن الدين يهذب كثيراً من الطباع، وكذلك تفعل التربية المنزلية، فيتفاوت الناس، وتظهر بعض الطباع عند بعضهم بشكل أشد من ظهورها عند غيرهم. ولذا يجب الحكم على الناس من خلال سلوكهم لا من خلال انتمائهم، فإذا حكمنا على الناس من خلال دينهم مثلاً فقد نسيء إلى الدين ونحمِّله أخطاء أتباعه. من ينشأ في غرفة المرايا لا يرى إلا نفسه! فهو مركز الكون! ولا قيمة لشيء خارج وجوده، هو العالَم، والعالَم هو! وعلى الجميع أن يقروا بفضله، ومن لا يفعل فهو العدو، أما من يمدحه ويثني عليه فهو المستحق للحياة. أفكاره هي الصواب، وتصرفاته هي القدوة، وأحلامه أوامر، وسلوكه نموذج! والبشر خُلقوا لخدمته! وقد قيل: آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين حب الرياسة، وما فيها من حب المدح والثناء والمنصب والجاه. الناس يتضايقون من النرجسية، ومن الأنا التي لا ترتكز على إنجازات أو إمكانات أو قدرات. فهل نراجع دواخل ذواتنا فلعل كل واحد يظن نفسه مركز الكون ولا يدري! لكن هذا لا يتعارض مع القول: لا بد من أن تشعر بأهميتك ودورك في الحياة لتكون إيجابيا منتجاً! لكن ليس متغطرساً. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]