الحياة تحتوي على أمور جمة ساقها الخالق ليتدبرها عباده المؤمنون مادامت أنفسهم فوق الثرى لهدف سام وهو معرفة عظمة الرب، وفي ذلك الخير الوفير لمن تأملها جميعاً أو بعض منها، وأوجب ما ينبغي أن نتدبره بفهم العالم، ونظرة الحكيم، وعقل العاقل كتابه الكريم " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا " الذي فيه من المعجزات ما لا يعد ولا يحصى، وهو في اللغة : مصدر قرأ أي تلا، واصطلاحا : كتاب الله تعالى المنزل على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام بلسان عربي مبين، المعجز بلفظه ومعناه، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، وكونه كلام الخالق تبارك فإننا لن نجد فيه تعبيرا نصيا أو لغويا شبيهاً بتعبيراتنا، فكلماته منسقة تنسيقاً يليق بعظمة المولى سبحانه وتعالى، فهو ذو لغة محكمة من لدن عليم خبير تتحدث عن التاريخ والعلم والأدب والبلاغة ....إلى غير ذلك من الأمور بأسلوب يتماشى مع كل العصور، وقد تحدى به المالك الثقلين " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِْنُّ عَلَى أَن ي َأْتُواْ بمِِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ ي َأْتُونَ بمِِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ ب َعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً " ولعلمه سبحانه وتعالى بضعفهم طلب منهم بأن يأتوا بأقل من ذلك " قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ " وخفف عليهم الطلب بأن يأتوا بسورة واحده " فَأْتُوا بِسُور َةٍ مِثْلِهِ " فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثله وهم الفصحاء البلغاء، وهذا بحد ذاته أمر ينبغي أن نتأمله ونتدبره لنعرف من خلاله أن هذا الكتاب الكريم " تَنْزِيلٌ مِنْ ر َبِّ الْعَالمَِينَ " وما هو " وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ " ولتدبره علامات أوضحها الحق من بين آيات الذكر الحكيم " وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ممَِّا عَرَفُوا مِنَ الحَْقِّ ي َقُولُونَ ر َبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " وقوله تعالى " إِنمََّا المُْؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوب ُهُمْ " وقوله تعالى " وإذا تُتْلى عليهم آياتُ الرحمن خرُّوا سُجَّداً وب ُكِيّاً " وقوله تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّر ُوا بِآياتِ ر َب ِّهِمْ لَمْ ي َخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً " فمن مضمون هذه الآيات الكريمات نجد أن تدبره حين القراءة لا يكن إلا باجتماع القلب والفكر، والبكاء من خشية الله عز وجل، وزيادة الخشوع والإيمان، والفرح والاستبشار، والقشعريرة خوفاً من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة، ثم السجود تعظيماً للواحد الأحد الفرد الصمد، فمن وجد واحدة أو أكثر من هذه الصفات عند تلاوته الآيات البينات فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر التي تهدف إلى التأمل من أجل الفهم، وإدراك المعاني والأحكام، ودراسة السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تسهل لنا لذلك فمن خلال معرفة أخلاقه وشمائله والإلمام بأقواله وأفعاله نستطيع فهم وتدبر القرآن الكريم " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي ر َسُولِ اللهَِّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَِنْ كَانَ يَرْجُو اللهََّ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللهََّ كَثِيراً " وروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها عندما سُئلت عن خلق الرسول صلي الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن " . فهذا الكلام المبين تدبره فيه الخير الكثير، فهلا اغتنمنا أيام العمر في ذلك قبل أن يأتي يوم " تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ " . دعاء : اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا القيام به آناء الليل وأطراف النهار . ومن أصدق من الله قيلاً " كِتَابٌ أَنز َلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَار َكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَْلْبَابِ " . ناسوخ / 0500500313