كان في ذلك الزمان يختار المعلم أحد الطلاب من الذين يرى فيهم القدرة على حمل ما يكلفه به من "مقاضي" البيت من لحم وخضروات وغيرها ويرسله إلى منزله، وكان الطالب سعيداً بهذا التكليف الذي يسمح له بالخروج من المدرسة لمدة ساعة تقل أو تكثر حسب بُعد وقرب منزل - المعلم - عن المدرسة، لكن هذا الطالب لا يجد في مقابل هذا العمل أي ميزة عن بقية زملائه، فلا ثمن في تسريب الأسئلة إليه أو اعطائه علامات عليا من الدرجات أبداً، بل كان يعامل كبقية زملائه تماماً، هذا كان ديدن "معلمي" ذلك الزمان الذين كان لهم سطوتهم الأدبية على الطالب الذي إن رآه في الشارع اختفى من أمامه احتراماً وتقديراً لا ارهاباً وخوفاً، كان هذا المعلم في سلوكياته يجبر طالبه على احترامه وتقبيل رأسه، نعم تقبيل رأسه حباً فيه وفي علمه لا "رشوة" لاعطائه اسئلة الامتحانات كما طلب ذلك "المعلم" من تلاميذه تقبيل رأسه أو حتى قدميه، إنه الفارق الكبير بين معلم يحس في داخله بأهمية رسالته واعطائها ذلك التقدير الكبير، وبين معلم لا ينظر إلى التعليم إلا كوظيفة وليس كرسالة وظيفة يملأ بها جيوبه " لا بطنه" فقط، قد كان المعلم في ذلك الزمان "معلماً" بسكون العين، ومعلماً بفتح العين.. حقيقة أن ظاهرة تسرب أسئلة الامتحانات تدل على أن هذا المعلم الذي يقوم بهذا العمل لا يؤتمن على تربية وتنشأة جيل من الأبناء لأنه يعلمهم على الفسق والفساد. ومع هذا أنني اتساءل هل ما ذكر عن ذلك المعلم الذي طلب من طلابه تقبيل قدميه صحيحاً؟ أرجو أن لا يكون ذلك صحيحاً، أو يكون مبالغاً فيه لأنه لو صح فهذا يحتاج إلى توقف أمامه طويلاً، ولابد أن تكون ردة الفعل عليه شديدة جداً لأن امتهان كرامة الناس أمر فوق كل الخطوط الحمر.