في الماضي كان التعليق على الأخبار من اختصاص شخص تعينه إدارة الإذاعة أو البث التلفزيوني أو المجلة أو الصحيفة. أما اليوم فمعظم مواقع الأخبار على الإنترنت تسمح للقارئ أن يكتب تعليقه على أي خبر. والتعليقات تعكس ثقافة المعلقين، وتكشف طريقة تفكيرهم. ومقالي هذا ليس بحثاً علمياً، إنما هو رصد لحوالي أربعين تعليقاً على خبر مفاده أن بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، وصديقه ووارن بافيت، يقودان حملة لإقناع أثرياء أميركيين بالتبرع بنصف ثرواتهم لمؤسسات خيرية، سواء في حياتهم أو أن يوصوا بها بعد مماتهم. وشرح بافيت فلسفته بقوله: إنه لم يكن في لحظة أسعد من اللحظة التي قرر فيها سنة 2006م التبرع لأعمال الخير بنحو 99% من ثروته التي تبلغ 46 مليار دولار. ذهبت بعض التعليقات إلى النوايا، فالتبرع – في رأيهم – لتخفيف الضرائب عن شركات الأثرياء، فعندما تقل الأرباح الصافية تنخفض نسبة الضريبة التصاعدية. وتساءل بعضهم: لماذا لا يخفض بيل جيتس أسعار برامجه؟ ولماذا تُرمى المحاصيل في البحر خوفاً من نزول أسعارها إذا زاد العرض في السوق؟ وتساءل آخرون: مَن المستفيد من الجمعيات الخيرية في تلك البلاد التي يأخذ فيها العاطل عن العمل راتباً من حكومته حتى يجد عملاً؟ فهل تذهب الأموال لأبناء العم ليبنوا الهيكل؟ أم لجمعيات التبشير؟ وكيف تنتقل الأموال إلى البلدان الفقيرة دون خوف من رقيب؟ في حين تعاني الجمعيات الخيرية الإسلامية من الرقابة؟ آخرون قارنوا هؤلاء بأغنيائنا، وذكروا بأننا لو دفعنا الزكاة (2,5% فقط) لما وجدنا بيننا فقراء، لاسيما وأن الزكاة عبادة، إضافة إلى أنها تؤدي إلى استقرار المجتمعات. وهاجم بعض المعلقين أغنياء المسلمين الذين ينفقون على شهواتهم، إضافة إلى تهربهم من دفع الضرائب المستحقة لدولهم. وطالب آخرون بزيادة رواتب العاملين عند هؤلاء الأغنياء أو دفع مستحقاتهم في أوانها، فهي خير لهم من التبرع للجمعيات الخيرية، فمن أراد أن يكون سعيداً فليسعد من حوله. آخرون نحَوا منحى آخر حيث تمنَّوا أن يتقاسم أغنياء المسلمين ثرواتهم مع مسلمي العالم! وهذا ذكّرني بمن قال: كل واحد منا يتهم من هو أغنى منه بالشح لأنه لا يعطيه مما يملك، ويتهم من هو أدنى منه بالكسل عن تحصيل الرزق. وهناك من أخذ يفتي، فالوصية بأكثر من الثلث تخالف الشريعة الإسلامية فكيف يوزع هؤلاء نصف ثرواتهم؟ في حين هاجم آخرون خطباء المساجد الذين يحثون الناس على أن يسألوا الله من فضله ولا يطالبون الأغنياء بالتبرع لهم. وطلب بعض المعلقين من الله أن يرزقهم الآخرة ويعفيهم من الدنيا! وفي رأيي: التعليقات تعمم حوادث فردية لم تصبح ظاهرة. الفكرة لم تقنع ولا حتى عُشر أثرياء أمريكا. ثم إن أهل الجود من المسلمين يتعاملون مع الله في إنفاقهم فلا تعلم شمائلهم ما تنفق أيامنهم. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز