شعرتُ بالأسى وأنا أقرأ خبراً عنوانه "عشرة طلاب يعتدون على مدير مدرسة بالسكاكين" واستنكار من جانب مدير عام التربية والتعليم بمحافظة الطائف مؤكداً أن إدارته شكلت لجنة متخصصة لمتابعة القضية والتحقيق فيها، وذلك لمعاقبة الطلاب المعتدين وفق لوائح وأنظمة وزارة التربية والتعليم، يُشار إلى أن لائحة السلوك والمواظبة تدرج قضية الاعتداء على مدير المدرسة ضمن مخالفات الدرجة الخامسة والتي يُعاقب عليها بحرمان الطالب من المدرسة والتعميم على جميع مدارس المملكة بعدم قبوله فضلاً عن إحالته إلى الجهة الأمنية. قلتُ حينها هذا الكلام قد تكرر مرات ومرات وهيهات أن نصل إلى النتائج الرادعة وهذه الظاهرة المقيتة تزداد انتشاراً دون اتخاذ أي إجراءٍ حازم يحد من انتشارها في بلادنا، وسرحتُ أتذكر أيام دراستي في مدارس مكةالمكرمة وتذكرتُ الشدة التي كانت تعصفُ بنا من قبل مدير المدرسة والمدرسين، وما كان يُسمى "بالفلقة" وتذكرتُ حينها والدي رحمه الله عندما قلتُ له المُدرس ضربني اليوم ولا أرغب في الذهاب إلى المدرسة غداً؟ فأخذني وذهبنا لمدير المدرسة فأخبره أنني أطلتُ لساني على المدرس واستحققتُ الجزاء الرادع فكانت إجابةُ والدي رحمه الله لمدير المدرسة "اللحم لكم والعظم لنا". ومن يومها لم أعد أخبر والدي بشيءٍ حدث لي في المدرسة لأن جميع المدرسين أصدقاؤه وكانت تصله الشكوى يومياً، وفي كل مرة إجاباته تتكرر حتى تخرجتُ من المرحلة المتوسطة. واليوم أضعُ اللوم على مَنْ يا وزارة التربية والتعليم ؟ على الأسرة .. أم على المدرسة؟ أم على نظام التربية والتعليم في بلادنا؟ أم على المدرسين أنصاف المؤهلين..؟ لا شك أن البيت يتحمل عبئاً ثقيلاً وتركةً كبيرة في تقييم أبنائه. فما يحصل اليوم بين البنين والبنات من التدليل وما نتج في المجتمع من تفكك أصبح يعيقُ العملية التربوية برمتها رغم أن هناك الكثير ممن يدللون أبناءهم حتى أصبحوا مصدقين على المدرسة. وأصبح المعلمُ ما هو إلا مستأجر يتقاضى مرتباً ليقوم بإنجاح الطلبة؛ لأنه كما يعتقد الكثيرون من الطلاب أن مهمة المُدرس إنجاح طلابه، وهو وُجد لهذا الغرض من قبل الدولة، وهذا في الحقيقة ما يسمعه من أسرته وأصدقائه، ولذا أصبح يُنظر للمدرس بأنه مكمن العملية التربوية، فإذا كانت نتائجه 100% كان ناجحاً وإذا فشل الطالب في المدرسة يكون المعلمُ فاشلاً. نعيشُ اليوم في عصرٍ اختلّت فيه الموازين واختلطت فيه الأوراق حتى أصبح الطالب سيداً في فصله وأصبح المُدرس صديقاً مطيعاً للطالب حتى في خارج أوقات الدوام المدرسي، وأصبح غير مهابٍ وبعضهم يضع فوارِق في فصله تميزُ الطلاب بعضهم عن بعض ليس لديه ما يُعرف بمبدأ "تكافؤ الفُرص" في المدرسة أو الامتحانات.وكذلك قيام المعلم بالتوسط له عند زملائه المعلمين في المدرسة حتى يضمن درجة النجاح في جميع القنوات. حقيقة شعرتُ عند قراءتي لهذا الخبر المفزع أننا نحتاج الى تعزيز القيم التربوية التي تجعلُنا نرفعُ رؤوسنا للأخذ بأبنائنا إلى سُلَّم القوة والمناعة والصبر والإرادة والتحمُل وتظل المدرسة كما كانت صانعةً للرجال . ومن هذا المنبر أناشد سمو وزير التربية والتعليم بضرورة تطوير لوائح وأنظمة الوزارة التربوية منها والتعليمية وخاصَّةً التي تنصّ بإنزال العقوبة على الطلاب المارقين ووضع حلولٍ تكفُل لهذا الجهاز هيبته ومكانته التربوية وقدرته على مزاولة حقوقه بعزةٍ وشهامةٍ دون دخول مؤسسة أمنية في قراراته حتى يُصبح قادراً بالفعل على التربية قبل التعليم. لا أعتقد أن درجات السلوك والمواظبة العقيمة الجدوى القديمة الأثر والتأثير كافية وشافية اليوم لمعالجة ما وصل إليه سلوك أبنائنا الطلاب في هذا القرن من تجاوز وتعدٍ باستخدام الأسلحة البيضاء والخفيفة. فنحن في حاجة ماسة إلى استحداث قوانين صارمة رادعة وقادرة على الحد من هذا السلوك العدواني المثير. كما أطالب الوزارة الموقرة بإقامة الدورات التربوية البحتة للمُعلِّمين للرفع من مستوى قدراتهم التربوية والسلوكية وكيفية التعامل مع طُلاب الغد، كما أدعو لتشديد التعاون بين البيت والمدرسة حتى تتضافر الجهود وتشتركُ العزائم في إخراج أجيالٍ يعتمدُ عليهم في تحمل هذا الميراث الثقيل. أقول لسمو وزير التربية والتعليم إننا في حاجة ماسة إلى استحداث مادة جديدة تدرس في الكليات التربوية المسلكية وتُسمى قانون المدرسة، هذا المنهج يجمع بين دفتيه جميع الأحداث والإشكاليات التي حدثت مع وضع الحلول التي اتخذت حيالها آنذاك لدراستها وتحليلها واتخاذ السُبل الوقائية الحديثة المُمكنة تجاه مجتمعنا وأبنائنا. وكما يقولون: "إن هذه الأجيال لا تصلح إلا بما صلح به أولها". وأكرر وأقول العبارة المشهورة تربوياً: "لولا المُربي ما عرفتَ تُربي".