بعد أن اشبع البنك راتبي استقطاعا وحسما كعادته في كل شهر؛ أحال ما تبقى منه الى حسابي الخاص. فذهبت ومعي الأسرة الى أحد الصرافات أملا في قضاء سهرة ممتعة احتفاء بما تبقى من راتبي المسكين؛ فوقفنا امام أحد الصرافات المنتشرة على الطريق؛ فحاول هذا الصراف أن يمازحني مزاحا من العيار الثقيل وبعد أن ادخلت بطاقتي بسحب ماتبقى من راتبي أجابني الجهاز بكل ادب (عفوا لا يمكن خدمتك في الوقت الحالي) وكأن الجهاز قد أشفق على راتبي قبل أن تمزقه الالتزامات الاسرية الشهرية أشلاء, اخذت بطاقتي وذهبت إلى صراف آخر اعتذر لي الصراف الآخر مفيدا أنه لا يوجد لدي رصيد في حسابي فظننت أنه يهذي من كثرة سحوبات العملاء في هذا اليوم بالذات ,فجربنا صرافا آخر وآخر وقضينا السهرة في تلك الليلة ونحن نلف على الصرافات بدون فائدة تذكر. فرجعت الى المنزل على رأي نزار قباني (مهزوما مكسور الوجدان) وكنت أرى في عيون ابنائي الصغار ملامح الكآبة والحسرة بعد أن تلاشت أحلامهم في قضاء سهرة ممتعة؛ لأن الصراف الآلي قد اعتدى على راتبي المتبقي دون وجه حق, فبادرت بالاتصال بالبنك وشكوت له امري فأجابني موظف خدمة العملاء أن الصراف الآلي الأول قد سحب رصيدك بالكامل فما عليك الا أن تقدم شكوى لاستدراك الأمر وأن عليك أن تتذرع بالصبر ولمدة قد تستغرق خمسة عشر يوما, وسينظر البنك في امرك فصدمتني اجابته ومرت أمام عيني احداث ما يمكن أن اتوقعه من مآزق خلال هذه الفترة وهي وقائع ملموسة ليست خزعبلات أو توقعات خبير الأرصاد الجوية في كل من جدة والرياض ولكنها توقعات مبنية على حقائق مشهودة فستلجأ شركة السيارات إلى سحب سيارتي الخاصة بموجب العقد المبرم بيننا, ويضطر الابناء للذهاب الى مدارسهم مشيا على الاقدام. وقد تتمرد العاملة المنزلية عن العمل ربما تشكوني الى الملحق العمالي بسفارتها وقد يتهمني بإساءة المعاملة وغمط الحقوق اذا لم ادفع لها راتب الشهر, وقد يمارس موظف الكهرباء ساديته ويقوم بفصل التيار في عز الظهيرة وحتما سيتهمني بأنني المتسبب الرئيسي في الاحتباس الحراري الذي تعاني منه كرتنا الأرضية. كما تقوم شركة الاتصالات بإيقاف الهواتف والجوالات مؤقتا وتريح الناس من ازعاجي المتكرر واذا اردت الاتصال لأمر ضروري فما علي سوى الذهاب إلى احدى كبائن الاتصالات كما أنني سأكون زبونا دائما لسيارات (خدمات جدة ) وعلي أن أتحمل فظاظة سائقيها التي تذكرني بعربيات الكارو وسائقيها, وهي احدى وسائل المواصلات القديمة لدينا. شر البلية ما يضحك البنك يسحب راتبي في غضون ثوان معدودة وعملية استرجاعه تستغرق اسابيع. فقد اسقط في يدي بعد أن استنفذت كل وسائل المساعدة بما فيها الاستعانة بصديق في ظل ازمة الغلاء الطاحنة حتى الاستعانة بمستشار لا تفي بالغرض المطلوب واتحدى أي مستشار أو خبير مالي أن يفك طلاسم وحسابات راتبي المعقدة لأن الأمور ماشية بستر الله وخصوصا بعد خسارتي لمدخراتي الضئيلة في مضاربة الأسهم وأسأل بكل مرارة وحسرة أين دور مراقبة البنوك في مؤسسة النقد والتي يجب عليها أن تضع حدا لمثل هذه الأمور بعد أن تكررت مثل هذه الممارسات كثيرا كما أن على المؤسسة أن تلزم البنوك بسرعة البت بمثل هذه المسائل حتى لا يرتبك المواطن أو المقيم صاحب الأسرة من جراء هذه الأخطاء والتي بلا شك تعود إلى عدم كفاءة الصرافات وعدم صيانتها او انتهاء عمرها الافتراصي وقد ذكر لي أحد الاصدقاء أن هذه الصرافات هي عبارة عن صرافات سكراب يتم استيرادها من الغرب بعد أن تقوم بنوكه بعملية استبدالها بآليات متطورة فتقوم بنوكنا بتلقفها واستخدامها لدينا توفيرا للنفقات ... ويا خفي الألطاف *وقفة: أبيات للإمام الشافعي رضي الله عنه: وكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي إذا ضاقت بك الأحوال يوما فثق بالله الفرد العلي فكم يسر يأتي من بعد عسر يسر به قلب الشجي