من نحن اليوم يا أماه بل مانحن اليوم عند الناس وعند أنفسنا ماعنواننا الذي نحمله في الحياة ونعرف به.. لقد كنا وأنت معنا نشعر بالغربة في بعض اللحظات وكنا نشبه أنفسنا بالشجرة التي نقلت من تربتها والتي ينبغي لها أن تكثر من فروعها. لتتقي الاندثار في هذه الحياة. أما نحن اليوم فغرباء في الحياة كلها .. نحن الافرع القليلة ذوى أصلها بعد اغترابها من ترتبتها وهيهات أن تثبت اغصان في تربة الغربة .. بلا أم. لقد كنت تصوريني لنفسي كأنما أنا نسيج فريد منذ ماكنت في المهد صبياً وكنت تحدثينني عن آمالك التي شهد مولدها مولدي. فيتسرب في خاطري أنني كبير وأنني مطالب بتكاليف هذا الكبر وهذا يوحي الي بعد اليوم بتلك الحوافز اللطيفة لمن اصعد الدرج في بيتنا بعدك يا أماه.. ومن ذا الذي يفرح بي ويفرح لي.. وأنا أصعد الدرج ممتلئاً زهواً واعجاباً وأنا في طريقي اليك. أنت فرحك فريد لأنه فرح الزارع الماهر يرى ثمرة غرسه وجهده وحبك أنت عجب لأنه حب مزدوج حبك لي.. وحب نفسي في نفسي.. اماه.. عندي اليك أنباء كثيرة جداً ومتراكمة تواكبت جميعها في خاطري وأنا يخل اليّ في لحظات ذاهلة. انني اترقب عودتك لاسمعك هذه الانباء واحدثك بما جدّ في غيبتك من أحداث وأنك ستسرين ببعضها وتتأثرين ببعضها.. وهي مدخرة لك في نفسي يا أماه.. ولكن هيهات فسيدركها الفناء الابدي وستغدو الى العدم الملطق - لأنك لن تنصتي اليها مرة أخرى. يا أماه يا أماه فألم الذكرى يسري في هواجسنا وأفكارنا فلا تبالي - أن يلدغنا ألم الذكرى كل لحظة ويملأ من وجداننا ماكانت تملؤه رعايتك.. أنني أراك اللحظة أو يخيل إليّ أنني أراك. تطلين بعينيك إلينا إنك هناك في كل ذرة سابحة في الفضاء أو غائصة في الأعماق، وفي كل خطرة نابضة في الفكر أو كامتة في الضمير، وفي كل ومضة مشعة في الأفق أو مستكنة في الاعماق وفي الأمنية السانحة والذكرى المتواربة وفي الامس والغد وفي الليل والنهار وفي الغد والاسحار وفي الارض والسماء. وفي كل مكان. ما اللحظات ما الثواني ما الدقائق ما الساعات ما الايام ما الاسابيع ما الشهور والسنون ما أولها ما آخرها.. مامن أول لها ولا آخر الا في اوهامنا نحن أبناءك المساكين. فيارب اغفر لها ذنوبها واسكنها فسيح جناتك وكذلك أمح من قلوبنا كل شيء قد يغيرنا في هذه الدنيا وأرحمنا يا أرحم الراحمين. مكة المكرمة