بعد هذه المرحلة من العمر ومعايشتي لظروف مختلفة ما تختزنه الذاكرة بصادق العرفان واحسن الامتنان لرجال كتبوا اسماءهم الناضرة على صروح الوطن لمواقفهم النبيلة ومثاليتهم في التواضع وحب الخير ومنهم من لا يزال على قيد الحياة متألقا ببشاشته ونقاء سريرته ومنهم من رحل عن دنيانا الفانية ولا تزال سيرته حديثا وذكرى مكللة بالدعاء له بالرحمة والمغفرة. ومنهم الاديب الراحل عبدالله عبدالرحمن الجفري تغمده الله بكريم رحمته وواسع فضله. واللحظة توقظ ذاكرتي للكتابة عنه كأديب لوذعي فارق الحياة في وقار وجلال فكانت حياته الادبية تزكية لصدقه وكتابة اسمه في سجل الخالدين مع كل الثناء ممن يحملون له العرفان بشرف التعامل الانساني ونقائه وكل وديعة الى اجل. ومن علمته الايام قيمة التفاعل بالادب مع الحياة واهلها فذلك الذي يستطيع ان يكون في حصانة التقدير بامتلاك امره وحماية قدر،ه ومما يؤذيني ويستفز مشاعري ذلك الاستماع الى مبالغات من ينغرس بنفسه حتى اخمص قدميه وعلى ملأ بارتفاع صوته واهتزاز صورته بغرض تثبيتها لتكون تحت اضواء الشهرة لاسم معرفة وفرض الذات يتناقض ليس بينه وبين تلك الرغبة اي انسجام لا من حيث التواضع والاحترام او مراعاة ان لكل مقام مقالا، فتجده المحاصر في صميم مرض الوهم الذي لا يعرف له عالم الطب المعاصر ولا ممكنات الطب البديل وصفات للقضاء عليه لمن لا يتألم له ولا منه ومحاولاته الالتفاف وتطويق من حوله بصمت مرهق والتلاعب بأعصاب الآخرين واحتجاجهم الهامس بتعليقات لها اصداء في ابتسامات باهتة. والعيب كل العيب في ترتيب غرائز معذبة بنقائص صاحبها ومعاناته من اوجاع الفراغ النفسي والاعجاب بالمظاهر وحب الظهور. وتأملاتي في حاضري تستوقفني مع بعض النماذج البشرية وتلك (الديكرات) المسكونة بالابهة وتآكل اصحابها في غيظهم بنارهم المتوقدة وآهاتهم المكتومة وصرخة تزفهم الى عالم السخط والسخرية، فاستنهض النفس بعد كل مراحل العمر الذي امشي على وهنه واستجمع ذكريات الماضي برؤية متفائلة رغم نذير الشعرات البيضاء واعتبارها بشيرا بأن شباب القلب لا يشيخ. ونقاء السريرة والتفاعل مع المسرات لهما تأثير مباشر في نشاط الاحساس وقراءة بياض القلوب ودفء الكلمات الصادقة تجعلني اخاطب معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والاعلام وهو الشاعر الرقيق وقصائده الزاخرة بالايمان وبالحب الصافي كلما لاقيته وفرحته بي وفرحتي به وتلك السجايا الاصيلة برهان لانسانية تجد في صمتها دبلوماسية عالية وفي بوحها شاعرية واعية يعجز العرفان عن ايفائه حق وصف صفاته الكريمة، فلم يغيره المظهر ليعيش في الوعي بجوهره الحر وقد تربينا على اديم مكة الطهور وبأملي الاهتمام بالبحث عن عطاءات الرواد من الادباء والشعراء والمحافظة عليها كثروة وطنية وتوثيقها، فلا نؤكد تلك المقولة بأننا مجتمع دفان كما قال اديبنا الزيدان يرحمه الله ومحاسبة كل من اهمل الباقي منها ومعرفة مكان ما آلت اليه! * شاعر وأديب