الحمد لله على بداية نهاية كابوس حرب شمال الشمال في اليمن. لكن ذيول الحرب تجعل السلام صعبا وشديد الحرج، فكل خطوة اذا لم تحتسب بشكل ذكي أدت الى العودة الى متاريس الحرب. واختبار النوايا من حالة العداء الى حالة القبول بالأمر الواقع، والتفاوض بين أطراف كان بعضها يشرع السلاح الى صدر الآخر هي مرحلة من إنهاء الصراع صار لها متخصصين في شأن التعامل مع النزاعات وحل الاختلافات والتخفيف من آثار المرارات التي لا تزال في الفم. حتى الآن تقوم لجان معروفة بالتعقل والرشاد من قبل الطرفين بالتعامل مع خطوات نزع الألغام وإزالة المتاريس وفتح الطرق واستعادة الأسرى وغير ذلك من التفاصيل. تبدو الأمور مبشرة حتى اللحظة، فهناك جو من التفاؤل العام في كل البلاد خلفته الحالة الصعبة التي كانت الحرب قد وضعت الناس فيها، ومع هذه الروح قد تنجو اليمن من جرح دامٍ تكرر ست مرات، إذا تجاوز الطرفان فكرة أنها قد تكون مجرد هدنة المحارب. فمن الضروري توصل الجميع فعلا الى قناعة بالنهاية والضرورة الحاسمة لإسدال الستار على هذا الفصل من التاريخ بوضع وبشكل نهائي، لا عودة للحرب بعده. الدافعون للثمن: النساء في الحروب صانعات لطعام المحاربين، وهن وأولادهن دافعون للأرواح طعاما للحروب. وعندما ينهار السقف الذي يعشن تحته ويقتل رب البيت المحارب أو المسالم، ينزحن بحثا عن الأمان ولقمة العيش في مخيمات النازحين أو حيث وضعت الظروف بها رحالهن. وعندما تنتهي الحرب يكون التفاوض والحوار بين الذين صنعوا الحرب الذكور، ولا تسأل النساء عن رأي أو كلمة تخص بقاءهن وحياتهن، بل كون الاتفاقيات مكتوبة بطريقة ليس لهن فيها ذكر أو إشارة. والنازحات واطفالهن قضية تضع نفسها أمام صانعي السلام، فمن كان منزلها لا يزال واقفا على اقدامه بدأت خطوات العودة، لكن اللاتي تدمرت أماكن سكنهن ومزارع عائلاتهن، ليس لهن ما يعدن من اجله أو اليه وستظل قصصهن الصامتة معلقة حتى بعد مرحلة الإعمار. قصة أخرى ستظل معلقة هي الجروح النفسية التي أصابت الناس والأطفال، فأصوات الرصاص والمدافع والطائرات والالغام التي عاشوا تحت رعبها فترة سادسة خلال اربع سنوات، لايمكن ان تمحي من ذاكرتهم بين يوم وليلة. أتذكر مرة شاهدت فيها مسرحية تحدثت عن الحروب بعد فترة طويلة من مرور الحرب الأهلية اليمنية التي حصلت بعد قيام الوحدة بأربع سنوات، ووجدت دموعي بدون أن أشعر تنهمر ومناظر من تلك الحرب تعود الى الذاكرة حادة لاسعة واضحة بشعة وكأنها حدثت البارحة. أجيال من ابناء وبنات صعدة وبعض مناطق عمران وحجة وهي محافظات يمنية كانت مسرحا في بعض مواقعها لهذه الحرب سيكبرون مثلي وتظل ذاكرتهم حاملة لجراح تعود في لحظة ما ولا يمحوها الزمان بسهولة. [email protected]