قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)؛ هذه الآية الكريمة من أكبر البشائر وأعظم العطايا لمن يعملون في مساعدة الناس وإنقاذهم. فإحياء نفس واحدة كإحياء الناس جميعاً؛ وفي الحقيقة أنه لا مجال للحسابات والنظريات في مقارنة العمل بالجزاء في هذه الآية العظيمة؛ لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ما أجمل وأروع أن تساهم في مساعدة الآخرين وتكون سببا في سعادتهم وسلامتهم؛ فكيف إذا كان هذا صميم عملك. جاء في الحديث الصحيح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (من فرج عن مسلم كُربة من كُرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). وإن مما تفضل الله تعالى به علينا رجال الأمن السعادة الذين نجدهم في نفوسنا وتخالط مشاعرنا عندما نساهم في تفريج كربة مسلم وقع في خطر أو حدث له ضرر أو أصيب في حادث أو تعطلت به سيارته في ليل بهيم وطريق طويل. ولمساعدة الناس في أبسط الأمور لذة يعرفها من ذاقها؛ وأما متعة إنقاذهم والمشاركة بعد فضل الله في بقاء أرواحهم في أجسادهم فهذه لا يعبر عنه بكلام ولا ينطبق عليه وصف شاعر ولا بلاغة خطيب. هذه اللذة لا تدخلها المشاعر المصطنعة لأنها لا ترى إلا في أوقات الشدة وأصعب الظروف وميادين الحوادث. هذه اللذة ترى بعض آثارها عندما ترى رجال الإنقاذ يتبادلون التهاني ويحتفلون بالمُنقَذ وكأنه أقرب قريب وأعز صديق. وقد تلاحظ بعض آثارها عندما ترى الدموع تجري من عيون رجال الإنقاذ عندما يكون قدر الله أسبق من عمليات الإنقاذ. وقد بلغت هذه اللذة ذروتها في نفوس بعض زملائنا وفقهم الله؛ فأصبحت شغلهم الشاغل وهمهم الدائم. ومن أثرها على نفسه أنه لم يعد يكتف بوقت استلامه (كما نسميه في مجال العمل) فلا تكاد تراه غائباً عن ميادين الحوادث مساهمة في إنقاذ الآخرين وتحصيل الأجور العظيمة؛ وكأن الشاعر قد رآه بعينه في وسط ألسنة النار وركام الحديد فعناه بقوله: تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلّلا كأنّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائِلُهْ وإلى لقاء نافع بإذن الله