في زمن السطحية واللامبالاة افتقدنا لشيء مهم للغاية، افتقدنا لكيفية الإحساس بالآخرين وتحسس بعض من همومهم وأوجاعهم حتى ولو كانت بسيطة. أصبحنا نمر جنبا إلى جنب بأُناس لوعتهم الحياة وكوت قلوبهم ولكن أعيننا تزيغ عنهم، يبقون خلفنا وحدهم لا تتسع لهم الصورة ويغيبهم المشهد تماما. ما هي هموم الناس يا ترى؟ سأسمح لنفسي بالحديث عن هم البسطاء كوني أحدهم، البسطاء الذين لا يبحثون عن الترف وامتلاك ما لا يعقل، فهمومهم لا تخرج عن كونها أمنيات لمستقبل أفضل بعيدا عن الحاجة لغير الله، ولقمة عيش يحفها فتلك الأجسام النحيلة التي تخرج مع بزوغ الفجر تتلو أذكار الصباح، يحدوها الأمل أن يكون النهار سعيدا بفرح مرسوم على ثغر طفل يذهب لمدرسته وأمه ترقب خطواته الصغيرة من خلف باب مشرع وقلبها يدعو أن يحرسه الله من مكر الحياة.. وعودة أب يحمل في يده خبزا ساخنا ممزوجا بجهد يوم شاق.. هموم لا تتجاوز زغاريد الفرح بموسم حصاد يؤتي أكله، وسماء تمطر فوق رؤوس الفلاحين وصوت الحادي ينشد ترانيم البقاء. لنا أحلام قد تبدو مستحيلة ولكنها لا تستكثر العيش في قلوبنا ولا تمل زيارة أحاديثنا المسائية، أحلامنا الغارقة في دموع نمسحها كي لا ترهق قلوب من نحب، قد تتحول هي أيضا لهموم متراكمة لأننا لم نستطع تحقيقها في زمن لم يعد يكترث بمشاعرنا ولا بهمومنا المخنوقة.. ربما نسينا أنه زمن السطوة. وها نحن نقف على أقدامنا لنكمل المشوار – مع بعض سقطات مؤلمة - دون الدهس فوق رؤوس الضعفاء ومن لا حيلة لهم. لم نسمح لأنفسنا أن نستبيح كرامة الإنسان من أجل تحقيق متاع زائف قد تذهب به نوائب الدهر. هموم بسيطة لا تحتاج لبذل جهد حتى يتعاطف معها الآخرون، فقط تحتاج لمشاعر صادقة، ولنبل الإنسان وشهامته التي تاهت منه في زمن ما ولم يعد يستطيع الوصول إليها. لمحة عابرة يقول كونت: لكي تحتفظ بالسعادة عليك أن تتقاسمها مع الآخرين. [email protected]