منذ أن أهداني أستاذي الفاضل العلامة عاصم حمدان كتابه المتفرد (أشجان الشامية) وأنا لا أفارقه أبدا، فلقد وجدت بين دفتيه كنوزاً نادرة لا وجود لها في مثل زمننا هذا. هذه الصور الأدبية المليئة بالوفاء والصدق والأصالة تجسد حقيقة رجال ذلك الزمان الذي سمعنا عنه وعنهم ولم نُغرس فيه واقعاً كما هو حال علامتنا الجليل . مع صفحات الكتاب تأخذنا السيرة العطرة وذلك الشاب المدني - كما وصفه عمدة الصحافة السعودية أستاذنا محمد صادق دياب - بين دروب الشامية وأزقتها يحمل بين ضلوعه قلباً تشرب بطيبة مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان هذا القلب المكان الخصب لتنامي الأحداث ليحتفظ بالحارات ومن سكنها.. فها هي الأيام تمضي وتُطوى وعلامتنا الجليل يروي لنا شجونه بكل حب وكأنه ما زال يرتقي للتو سلم تلك اللحظات بعبقها ونصاعتها التي لم تطمسها السنوات . مع الأشجان ستأخذك رحلة الزمن في جولة عطرة تجوب بك الحارات القديمة في البلد الحرام لتلتقي أناس لا حصر لهم.. بسطاء في تركيبتهم وتعاملهم ولكنهم عظماء كتبوا بالصدق والوفاء أسمائهم فها هي تفوح كنفحات الصالحين بعد ما رحلوا لجوار ربهم. وأنا أبحر مع أشرعة الذكرى الخالدة لبلدة ورجال استوقفتني الكثير من المحطات المشبعة بدموع الفراق والفقد ومع كل محطة كنتُ أردد مع استاذي الجليل بيت الشعر الذي طالما استشهد به: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا.... أنيس ولم يسمر بمكة سامر يقول الأستاذ الجليل في ومضة طائفة من ومضاته: (كانت الشامية تضيء شوارعها وأزقتها برجال وشباب يكرمون النزيل، وينصرون المظلوم، ويقفون مع اصاحب الحاجة، وجئت قبل عام لزيارة الحي فلم أر فيه شخصاً أعرفه من قبل وسألت نفسي في لوعة وأسى: كيف تفرق الجمع؟ أين ذهب الرجال؟ أين مجالسهم...) فأقول له بصوت الابن والتلميذ الواقف في محراب علمه: هم باقون في ذاكرتك الوفية التي عاركت الزمان من أجل الحفاظ عليهم، هم في أشجانك الخالدة يجولون بين دروب الشامية التي تغيرت عليك. لقد كنت وفياً ترد الفضل لأهله، أكرمت حيهم، وبكيت ميتهم وترحمت عليه كلما مرت ذكراه والجمع يحيط بك. ولا تغيب عن ذاكرتي - في المرة التي تشرفت فيها بلقائك - هيئتك وأنت تتحدث بكل حب وإجلال عن من تحمل لهم في قلبك من ود عبر كل هذه السنوات من العمر.. كتبت عنهم بمداد العيون برغم هموم الحياة ومشاغلك التي حملتها على عاتقك من تعليم وتأليف ومحاضرات وتنقل... وإني لأدعو الله أن يمنحني بعض وفائك حتى أفيك بعض كرمك عليّ ونصحك لي ما دمتُ حياً. [email protected]