الأصوات التي كانت وما زالت تنادي بضرورة العمل بأسلوب الانتخابات في بعض المجالس والجهات الحكومية، وتركز هذه الدعوات على وجوب أن يكون جميع الأعضاء عن طريق صناديق الاقتراع وذلك على سبيل المثال في المجالس البلدية ومجلس الشورى ومجالس الغرف التجارية وغيرها – هذه الأصوات في اعتقادي أنها ستجد حرجاً في الاستمرار في هذه المطالبات بعد تجربة غرفة جدة وبعض الغرف الأخرى وقبلها تجربة المجالس البلدية، وما حدث فيها من أمور لا تليق بمن يريد أن يقدم خدمة لمجتمعه ووطنه من خلال عضويته في هذا المجلس أو ذاك. ومن لديه أدني معرفة بأبسط قواعد ومبادئ التنافس الشريف فإنه يدرك أن ما حدث خلال سير عملية الانتخابات لغرفة جدة الأخيرة إنما هو شرخ كبير في مصداقية التوجهات وخدمة الصالح العام. فقد أظهرت الصحافة وبعض وسائل الإعلام الأخرى صورة سيئة عن هذه الانتخابات وما حدث خلف الكواليس فيها، ولست أدري ما إذا كان هؤلاء يسعون لخدمة المجتمع من خلال تواجدهم على كراسي العضوية ، أم أنهم يريدون الوجاهة الشخصية والشهرة لتحقيق مآرب أخرى. للوصول إلى غايات ليس من ضمنها بالتأكيد تقديم خدمة لمن ترشحوا لخدمتهم. إن ما حدث يشهد بكل وضوح وجلاء على أن تلك الطريقة الفجة التي ظهر بها بعض المرشحين سواء من استغل علاقاته الصحفية أو قدرته المالية أو قوة عضلات أقاربه أو قدرته في تدبيج العبارات الرنانة وإعطاء الوعود البراقة لخداع المرشحين واختيار الأساليب المحفزة لجذبهم إلى صناديق الترشيح، فكل أولئك قد سطروا صفحة سوداء في تاريخ الانتخابات وأعطوا دليلاً على أن الانتخابات لا تصلح بأي حال من الأحوال في ظل مثل هذه الثقافة الهشة والمفاهيم المغلوطة والأساليب الفجة. لا شك أنه يستطيع كل متابع لتلك الانتخابات سواء رأى بعينه أو سمع بأذنه أو شاهد في أجهزة الإعلام أو وصلته رسائل الجوال أو قرأ في الصحافة عن شراء الأصوات يعلم يقيناً إن هذه الانتخابات لن تؤدي ثمارها لأنها كانت للمصالح الذاتية أكثر من أن تهدف لخدمة الصالح العام. إن تقديم الخدمة الاجتماعية ونفع الناس ورد الجميل للوطن وخدمة الصالح العام يمكن لأي شخص أن يقدمه ويقوم به من خلال العمل الفردي التطوعي بأي موقع كان ولا يحتاج إلى كل هذا التكالب والتدافع والبذخ في المنح والهبات لشراء الأصوات، والإسراف في الوعود البراقة والهلامية، بل والمشاجرات ورسائل الجوال.. لقد كان حريّاً بالجهة المشرفة على الانتخابات أن تضع شروطاً دقيقة وعادلة تصب في مصلحة التجار والصناع وشرائح المجتمع عامة المستهدفة من هذا الترشيح أما مجرد الحصول على سجل تجاري والانتساب للغرفة وبعض الشروط الأخرى التي لا تفرق بين الغث والسمين فإن الانتخابات تبقى حلبة للتنافس غير الشريف وتبقى مجالس الإدارات عند البعض جسور للوصول إلى الشهرة والانتهازية. كنت في مجلس ضم أحد المرشحين لعضوية مجلس الغرفة فسئل عن المنافع التي سيقدمها لأهالي جدة من خلال عضويته فكان جوابه مخجلاً لولا أن أحد الحاضرين تكفل برد يتسم بالعمومية أنقذ به ذلك المرشح. إن هذه التجربة وقبلها تجربة المجالس البلدية أثبتت بنسبة كبيرة أن ثقافة الانتخابات لا يوجد لها أرضية مناسبة لدينا ، ومع أن الانتخابات بصفة عامة لا تثمر غالباً عن نتائج إيجابية في اختيار الأفضل والأحسن والأكفاء ولكنها تستهدف اختيار الشخص لعوامل أخرى غير ذلك، سواء لعضوية مجلس أو حتى لرئاسة دولة والدليل على ذلك أن اختيار سيء الذكر بوش مرتين متتاليتين برغم ما جره على بلاده من مشاكل وكوارث والوصول بها إلى مستنقع الكراهية من دول وشعوب العالم إنما كان اختياره لعوامل أخرى غير الكفاءة والأفضلية. أما سلبيات الانتخابات عموماً فذلك موضوع مقال آخر. اللهم إنا نسألك حسن القول والعمل وإن يكون خالصاً لوجهك الكريم. ص. ب 9299جدة 21413 فاكس 6537872