تتعدد سلبيات العولمة في الجانب الثقافي، واذا قدمت العولمة عددا من الايجابيات في تحرير السوق وتحقيق الاتصال بين مختلف بقاع الأرض بحيث اصبحت الأرض قرية بلا حدود، فإن جرائم العولمة في المجال الثقافي عبر حرصها على تعميم نموذج واحد اوحد هو النموذج الغربي بطبيعته الاميركية على مختلف دول وشعوب العالم ستؤدي الى كارثة عالمية على اللغة اولا وعلى التنوع الثقافي ثانيا، وبخاصة ان اللغة، اية لغة، هي اساس الحضارة واساس المنتج الثقافي ووسيلته الرئيسية. يقول تعزيز اليونسكو حول اللغة في العالم، ان عدد اللغات الموجودة في مطلع القرن الواحد والعشرين في مختلف مناطق العالم تتراوح ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف لغة، وان نصف هذه اللغات بالانقراض، وان 90% من هذا النصف سينقرض فعلا مع نهاية القرن الحالي، قرن العولمة دون منازع، ففي كل سنة تموت 25 لغة، وعند انتهاء القرن ستندثر ثلاثة الاف لغة من الوجود. اي ان خراباً كبيراً يأكل أمنا الأرض، ويعيق تطور الثقافات بتنوع مكوناتها ومفرداتها وحضاراتها، أي أن ثقافة رئيسية تسود على حساب الثقافات الأخرى، اي ان العولمة لا تأكل السوق فقط، ولا تصادر المال الوطني فقط، لكن تأكل الروح ايضا وعلى رأسها اللغة. ومن هنا تبرز اهمية الدفاع عن التنوع الثقافي العالمي، بعيدا عن الثقافة الواحدة المسيطرة. فالتنوع الثقافي فقط هو القادر على حماية خصوصية الإنسان، وعلى حماية ثقافته ووعيه، وبالتالي لغته، التنوع اساس الحياة حتى في الوطن الواحد، فكيف في عالم أمنا الأرض، التنوع. التنوع.. فهل من مذكر؟؟ الهوية الثقافية تتشكل ثقافة اي أمة عبر تاريخ طويل من الاحداث السياسية والحوار الحضاري لتستقر اخيرا في وجدان الأمة على شكل تراث يكمن في ذاكرتها، وهوية ثقافية تجعل منها امة حية تختلف عن غيرها، وتبرز رؤيتها المستقبلية، ورسالة الهوية الثقافية ان تكون اداة لخلق حوار بناء قائم على التعاون، والتواصل لخير جميع الناس بغض النظر عن الجنس او اللون، وهو جوهر ما يدعو اليه الدين، ومدار قصده للمساهمة في صنع الانسان الراقي المتسامح، المتصالح مع نفسه ومع الآخرين. وتبرز هذه الصورة مع التقدم والتطور، فالأمة التي بنت هويتها الثقافية من خلال القيم الانسانية المشتركة، لا تجد صعوبة في التعايش مع الآخرين، بل انها تنسجم معها في مسيرة مشتركة بعيدا عن صراع الحضارات والمصطلحات العنصرية التي تصادر هويات الآخرين لساب هوية واحدة، الأمر الذي يصيغ الانسانية بصيغة قهرية مختزلة لا تتسم بالتعددية الثقافية ومنطلقاتها الاوسع، وميادينها الارحب خارج السياق التاريخي، والتطور الحر الذي يمثل طبيعة التجدد وسنة الحياة الكونية، ويحيلها بالتالي الى سياسة استعمارية تجاوزها الزمن، تعزز حالة من التناقض المصطنع بين السياسة والثقافة، الركيزتين الاساسيتين للسلام العالمي. وهويتنا الثقافية العربية الإسلامية ذات المستوى الرفيع، دعت الناس الى الهداية والرحمة، وسلوك طريق الحق المبين، بمقولات فكرية وعقائدية متقدمة، حاملة شعلة التوحيد والحرية والكرامة لجميع الناس بالفطرة والغيرية على اساس من حرية الاعتقاد دون غلو او تفريط، وبقيت ذات تاريخ ناصع على مدى عقود واجيال دو ان اي استخداما للعنف ضد الآخرين الا في حالة الدفاع عن النفس مما جعل الناس يتعلقون بها لملامستها المشاعر الانسانية النبيلة والوجدان الروحي الشفاف الذي جعل منها المثال الحي للتواصل والمحبة، تحت هدي من النصوص القرآنية الكريمة التي تحض على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة من اجل التعارف والتآلف الذي هو غاية كل شعب نبيل، وهدف كل امة صالحة، وجعل العزة لمن يريدها في التقوى ومراعاة مصلحة جميع الناس باعتبارهم اخوة متساويين خلقوا من نفس واحدة. مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد فاكس: 6658393