والدي رحمه الله الذي كان يمتهن التجارة في مكةالمكرمة. بل يعد من علامات المرحلة التأسيسية في التجارة السعودية، ووجهًا من وجوهها التطويرية. فقد كان يفتخر بمواد و أدوات البناء الحديثة التي أدخلها في تجارته في مكةالمكرمة، و ترك صرحًا تجاريًا في مكة يواصله أخي بكر نتو بنهج والدي رحمه الله،ومن هذا النبع فتحت عيني على المصادر التجارية الأصلية بغزارة. روى لنا والدي حكايته مع مسؤول. تلك المرحلة التي كان فيها المسؤول رمزًا يعيش في برجه العاجي، لا يعرف المُراجع مسكنه و هاتفه أو سيارته، بوابته مغلقة يحرسها رجال غلاظ لا يعرفون الابتسامة و لا لغة الحوار، و من تلك الأبواب الموصدة لا ينتج سوى المزيد من القيود والإجراءات و الحواجز و المتاريس و التحفظات و تعميق الكوابح النفسية و الذهنية و الوجدانية للمراجع. أتذكر أن الحزن الذي كان يغلف حروف والدي و المرارة الساخرة عندما كان يقول "سأبحث عن شخص يعرف المسؤول"، و يبدأ مشوار التنقيب في قائمة أصدقائه ومعارفه لينهي حاجته. أما حواء فليس أمامها غير جملة يا ملاذنا إذا أغلقت الأبواب. بل بعض المسؤولين يضعون لافتة مكتوب عليها "ممنوع دخول النساء."!! أما اليوم، فأجد أن الحال تغير، ففي قطاع المال و الأعمال أصبحت أبواب بعض المسؤولين مفتوحة و أصبحت جوالاتهم و بريدهم الإلكتروني متاحاً لمراسلتهم و تهنئتهم، كما أنك تستطيع أن تشكو و تتشكى منهم و إليهم. و في صيفنا هذا وجدت نفسي أحوم كالطير في مكتب العمل بجدة; و في صالة المراجعين كان أمامي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي، يجادله المراجع، و يصغي و يصغى إليه، عن "السعودة" و و"الشكاوى"; و قد خيل إلي مع الشاعر الساحر أن عبق الشعر و رحيق العبقرية يضيع من كثرة الشاكين الباكين، و يمكنك أن تتصور كيف يمضي الحوار مع وزير عمل له العديد من المسؤوليات و المهن. رحلة في الحياة و في التجارة، من سوق الصغير حيث كان دكان والدي رحمه الله ..إلى "شانزليزي جدة" (شارع التحلية)، حيث بدأت أنا أشعر أن هناك تغيرا حدث في وطني بين المسؤول و المراجع.