وملامح تلك الاخلاق الكريمة والسجايا النبيلة التي كان يتحلى بها الدكتور المطرودي هي : تميز رحمه الله بتواضعه الشديد فقد كان يتبسط في الحديث مع كل من يتعامل معه مهما كان منصبه وقدره وبخاصة المستخدمين وصغار الموظفين، وكل صاحب حاجة، فكان يصغي اليهم باهتمام الى ان يقف على حاجتهم ويقضيها لهم ان استطاع الى ذلك، والا فيعدهم بالسعي لحلها قدر جهده، كان رحمه الله لين الجانب بشوشاً، فلم يكن فظاً ولا غليظاً، فلم اشاهده قط ينهر اي انسان او يعنفه، واذا تطلب الامر ذلك لمصلحة العمل فبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، كان يعمل في صمت ولا يحب الشهرة او الظهور في وسائل الاعلام الا في الحالات الضرورية التي تقتضيها ظروف العمل وكان في الاجتماعات والجلسات العامة للمؤتمرات والندوات والمحافل العامة لا يهتم بأن يجلس في الصفوف الاولى رغم احقيته في ذلك بل كان يجلس حيثما انتهى به المقام، ويرفض كل المحاولات التي تُبذل معه لاجلاسه في المكان اللائق به وكان يرفض ذلك بأدب جم، وتواضع شديد، كان دؤوباً في عمله مخلصاً فيه الى درجة كبيرة، فقد كان يحضر الى مكتبه في السابعة والنصف صباحاً ولا يخرج منه الا بعد صلاة العصر، واحياناً بعد صلاة المغرب، وكان كثيراً ما يحضر الى العمل ايام العطلات الرسمية، كان همه الدائم رحمه الله الارتقاء باعمال الاوقاف بصفة خاصة واعمال الوزارة والشأن الاسلامي بصفة عامة وكان يبذل قصارى جهده ووقته لتحقيق ذلك ، بالاضافة للاعباء الا انه كان لا يرفض اية اعمال اخرى تأتيه من الجمعيات الخيرية والجهات الرسمية من خارج الوزارة لثقة المسؤولين في الدولة لامانته وقدراته ورجحان عقله ورأيه، اما عن نزاهته وورعه وتقواه وامانته تجاه المال العام وبخاصة اموال الاوقاف فان الحديث في ذلك يطول، والنماذج في ذلك كثيرة لا تحصى ولا تعد، يعرفها كل من عمل معه الى الدرجة التي كان يقوم فيها بالانفاق من ماله الخاص على بعض الجوانب التي من المفترض نظاماً ان ينفق عليها من المال العام، أنعم الله عليه بفكر متميز، ورأي سديد ونظرة ثاقبة في معرفة الرجال فكان ينزل الناس منازلهم، ويعرف قدراتهم فيسند كل عمل الى اهله ممن يستطيعون القيام به على خير وجه، وكانت هذه النظرة بفضل الله غالباً لا تخيب، اعطاه الله بفضل صدق نيته واخلاص الوجهة لله سبحانه عزيمة قوية وبركة في الجهد والوقت، ففي كثير من الاحيان كان يخرج من مكتبه بعد انتهاء الدوام الى المطار مباشرة لحضور احد الاجتماعات في جدة، ثم يعود في المساء الى الرياض لحضور اجتماع مهم يتعلق بشؤون الاوقاف ثم نفاجأ به في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم التالي يدخل الى مكتبه في موعده المعتاد، من اجل النعم التي انعم الله بها عليها، وهي باب عظيم من ابواب الجنة ان رزقه بر والديه، فكان يبرهما براً شديداً ويرعاهما ويحرص على راحتهما والسهر في رعايتهما وكان فرحاً مسروراً بذلك، من المواقف النبيلة التي حدثت معي وهي كثيرة انه في يوم وفاة أخي الدكتور محمد حجازي الاستاذ بجامعة القاهرة فوجئت بفضيلة الدكتور المطرودي رحمه الله يحضر من مكتبه في الدور التاسع بمبنى الوزارة الي مكتبي بمبنى الشؤون الفنية خارج مبنى الوزارة وكان الجو وقتهاً حاراً ومعه فضيلة الشيخ عبدالله الغنام الوكيل المساعد لشؤون الاوقاف وسعادة المهندس صالح الاحيدب المستشار بمكتب معالي الوزير لعزائي في وفاة أخي، وقبل ان ينصرفوا من مكتبي استأذن منهم الدكتور المطرودي وانفرد بي واخبرني ان قد رتب لسفري الى القاهرة مساء ذلك اليوم لحضور جنازة اخي وتم قطع التذاكر وترتيب كل الامور وكلف مكتبه بتوصيلي الى المطار وكان يتابع ذلك بنفسه، الى غير ذلك من المواقف النبيلة التي لا تحصى ولا تعد فرحمه الله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته، والهم اهله وذويه الصبر والسلوان ، اللهم اجرنا جميعاً في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، والحمد لله على قضائه وقدره. (إنا لله وإنا إليه راجعون).