ضاقت بي الأرض بما رحبت.. تثاقلت قدماي .. احتدمت مشاعري .. أخذت اكتم لوعتي وأتجاسر على آلامي.. حاولت مراراً أن املك زمام نفسي.. دمعت عيناي .. أجهشت بالبكاء.. على نحيبي .. توقفت فجأة أخذت اقلب الأمر وأتأكد من الخبر .. كنت مابين المصدق والمكذب ما نقله لي الناعي عن موت والدي عيضة بن حسين الحارثي.. وهل حقاً حان الرحيل وجاءت لحظة الوداع الأخيرة.. فيما كنت أعيش بالأمل ومع الأمل يوماً بعد آخر وعلى مدى أكثر من عام مضى منذ سقوطه أسيراً للواعج المرض.. امني النفس بأنني سأراه قريباً بيننا يملأ دنيانا حيوية ونشاطاً .. بطيبته المعهودة.. بحرصه الدائم وحكمته البالغة .. بصخبه الجميل ولجبته المحببة إلينا.. إلا انه حكم الموت الذي لا يفرق بين احد مهما كان .. وسنة المولى الماضية في خلقه الى يوم العرض والحساب فاللهم لا اعتراض .. ولاراد لحكمك وقضائك .. وكل نفس ذائقة الموت وستوفى اجلها عاجلاً أم آجلاً. أبي كم يحن المسجد الذي قضيت به اعواما مؤذنا الى ممشاك إليه في الدياجي والظلم .. والى رؤيتك ولقياك .. والى صوتك الرخيم وانت ترفع في كل يوم صوت الحق مجلجلاً عاليا بكلمات التوحيد واكبار الخالق واخلاص العمل لله ونشر طهارة الروح وصفاء القلوب والعيش في تآخٍ وتسامح دائم. كم افتقدك ياأبي وانت السابح في كل ذرة من دمي وكم تركت بعد رحيلك عنا من دار الفناء الى دار الخلود من فراغ كبير في أفق حياتي لن يسده إلا لقاك بإذن الله في رياض الجنة حيث لا وصب ولاتعب ولامشقة ولاشقاء وانما حياة سعيدة سرمدية في رحاب العلي القدير.. وبرفقة الأنبياء والصحابة والطيبين من الاصفياء والاخيار. إن عزائي الوحيد في رحيلك عنا هو ذلك الرصيد الكبير الذي تركته في قلوب كل من عرفك .. وكل من سقطت دموعه الحرى على فراقك من الاصدقاء والاقارب ومن رفقة المسجد وبسطاء الناس وما تركته لنا من كريم الصفات والاخلاق فقد كنت دوما طائعا لربك بارا بوالديك .. صبوراً.. حليماً.. متواضعاً لم يعرف الكبر طريقاً إلى نفسك.. حازماً في مواقفك.. صادقاً في تعاملك .. حكيماً في قراراتك .. متأنياً في إصدار أحكامك على الآخرين.. محبوباً من الجميع .. ومن أصحاب القيم والشيم والمروءات . سباقاً لزيارة المريض ومن أول المهنئين في افراح الناس ..واول المواسين لكل من اصابته نوائب الدهر.. ولم تقصر قط في اداء واجب .. نحو أهلك وربعك وعشيرتك الأقربين . فرحمك الله واحسن مثواك .. ووسع نزلك .. وآنس وحشتك.. وامد لك في قبرك مد نظرك ..وعظم اجرنا واجرك في كبد السنين.. وغفر لك ولعامة المسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات .. وحسبك انك خرجت من سجن الدنيا الى فضاء الآخرة وسعادتها الابدية.. وظللتك رحمة المولى وبرد الراحة واليقين .. ولله ما أعطى ..ولله ما أخذ .. وكل شيء عنده بمقدار وعظم الله اجر والدتنا الصابرة المصابرة على نكبات الدهر وعواديه المدلهمة ..وشكرا لأولئك الانقياء الاتقياء الذين أبوا إلا ان يشاركونا احزاننا وعزاءنا بعظيم فضلهم .. وفيض كرمهم.. فلهم منا كل المحبة والوفاء .. وصادق الرجاء والدعاء بأن يجزيهم الله عنا وعن الفقيد خير الثواب والجزاء .. "إنا لله وإنا إليه راجعون".