في حياتنا المعاصرة تزداد كل يوم معاناة الفتاة من ظاهرة التحرش الجنسي الذي تتعرض له. وقد أصبحت هذه الظاهرة من القضايا الساخنة التي تواجهها هذه الأيام وفي مقدمة اهتمامات سائر الدول، فبعد أن كانت تعالج في سرية تامة أُنشئت من أجلها المنظمات المناهضة، وعُقدت مؤتمرات عديدة، وسنت القوانين، بل وتأثرت بالتقدم التكنولوجي وأصبح هناك العديد من الحملات التي تتصدى لهذا الكابوس على مواقع التواصل الاجتماعي. التحرش هو من أقبح ألوان الأذى الذي تتعرض له المرأة وأبشع صور الظلم لأنسانيتها، ومع أن الدين الإسلامي فيه قواعد تمنع ممارسة مثل هذا النوع من الأفعال، إلا أن القواعد بحاجة إلى تقنين وصياغة لوائح تكون أكثر وضوحا بهدف أن تصبح رادعة عن ممارسة هذه المخالفات. بكل بصراحة وموضوعية فتحت "البلاد" هذه القضية لتتحدث الكثير من الفتيات عن قضية التحرش وكيفية مواجهتهن له بإسهاب. سنجد من خلال حديثهن أن مظاهر التحرش تتنوع بشكل كبير ما بين الشفهي من إطلاق النكات والتعليقات المشينة، والتلميحات الجسدية، والإلحاح في طلب لقاء، وطرح أسئلة جنسية، ونظرات موحية إلى ذلك، ثم تتصاعد إلى أبعد من ذلك حتى تصل إلى اللمس. في البداية، تقول سعاد- 19 عاما- في يوم أثناء عودتي من الجامعة وفي إحدي وسائل المواصلات لاحظت تحرك شخص بجانبي كثيرا، وفي كل مرة يحاول أن يلمسني فأخذت دبوسا من حجابي وقمت بشكه به، ولكنه لم يحترم نفسه وحاول مرة أخرى أن يعيد محاولة التحرش فقمت بنفس الشيء من جديد فابتعد عني، وهذه الطريقة نتبعها كثيراً أنا وصديقاتي. وتقول إنجي- 25 عاما- عندما أتعرض للتحرش أشعر بالخوف الرهيب وأظل في مكاني ولا أتحرك ولا أواجه الموقف، فهذا من الصعب جدا علي، ولكن هذا يسبب لي بعض الاكتئاب عند التفكير فيه وأظل خائفة من النزول إلى الشارع بل وأصبحت أشعر الآن بكرهي للرجال وللزواج. وتقول هدير 23- عاما- وأنا جالسة في وسيلة مواصلات عامة ذاهبة إلى عملي شعرت بحركات غير طبيعية في المقعد الذي أجلس عليه لدرجة أنني كنت أتخيل أنه فأر، وعندما التفت خلفي وجدت أصابع تحاول التسلل للمسي من بين المقعد فوجدت نفسي منهارة وما صدر مني غير سب هذا الرجل بشكل هستيري. وتقول نرمين- 27 عاما- إن من يقول أن ما تتعرض له الفتاة من تحرش في الشوارع هو بسبب ملابسها وأخلاقها هذا خطأ 100%، فأنا أرتدي حجابي وملتزمة إلى شكل كبير وفي يوم كنت أسير في السوق وأشتري بعض الاحتياجات ووجدت رجلا كبيرا يقترب مني وقال لي كلاما بذيئا لدرجة أنني شعرت بتساقط جسمي على الأرض ولكني تماسكت في آخر لحظة. وتقول سماح- 30 عاما- إن ما يحدث من تحرش ليس سببه الفقر والبطالة والجهل كما يقول الكثير من الخبراء، فهناك رجال على مستويات ثقافية ومالية عالية ويمارسون هذا الأمر، ولذلك فإن من يقوم بالتحرش مصاب بانعدام الأخلاق والدين وهو مريض ويلزم توجهه إلى طبيب نفسي. وأصبحت الفتيات تتعرض لتحرش في العمل والشارع بل وفي التليفون وعلى شبكة الإنترنت، وهذه الكارثة من العبث أن تنتهي فهي ستظل قائمة. وترى الدكتورة عزة كريم- أستاذ علم الاجتماع- أن السبب في ازدياد ظاهرة التحرش هو المجتمع، حيث إن النساء في السبعينات كانت ترتدي ملابس قصيرة ولم توجد مثل هذه التصرفات لأن الشباب كان لهم هدف وقضية، أما هذه الأيام الشباب يقابله ضعف فرص العمل وبالتالي التأخر في الزواج حتى أعمار متقدمة مما يجعلهم يلجئون لمثل هذه السلوكيات المشينة. وترى الدكتورة نادية رضوان- أستاذ علم الاجتماع في جامعة قناة السويس- أن حل هذه القضية يكمن في إعادة دور الإعلام والتعليم والخطاب الديني والذي يعاني مجتمعنا من غياب أدوار هذه القطاعات والمؤسسات. كما تشير إلى أنه يجب على الفتيات أيضا الالتزام ومعرفة كيفية الدفاع عن أنفسهن في أي موقف يتعرضن له. وأكد أيضا الدكتور عصمت محمود- أخصائي الطب النفسي- أن انتشار عدم الأخلاق وعدم احترام الآخر هو السبب الأول في انتشار التحرش، وأن بعض من هؤلاء الرجال ممن يرتكبون مثل هذه الأفعال يعانون من اضطرابات نفسية، وهذه الفئة من الشخصيات تلجأ إلى العيادات النفسية وهي متأزمة وتعاني الخجل مما تفعل والحقيقة أنهم يحتاجون لجلسات علاجية نفسية تستغرق فترة طويلة من الزمن لتعديل سلوكهم المضطرب. ويضيف الدكتور عصمت أنه يجب الابتعاد عن استخدام القمع في عقاب المتحرش أو حبسه لأن عقوبة الحبس يمكن أن تجعله يخاف ويحاول الابتعاد عن التحرش ولكن لوقت قصير لأن المرض النفسي سيطغى عليه وسيعود مرة ثانية لممارسة نفس العادات السيئة.