إن قضاء الليل تحت الأضواء الكهربائية قد يسبب اضطرابات سلوكية والسرطان وهي ناجمة من الإضاءة الليلية على الصحة على مدى سنوات عديدة،. هذا ما كدته دراسة روسية، واكتشفوا أن الإضاءة الساطعة الدائمة تعيق تركيب هرمون الميلاتونين الذي يمنع تشكل النمو السرطاني وتطوره. وأشارت الدراسة إلى أن التلوث الضوئي أصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة المعاصرة، فالأضواء الكهربائية تتدفق على الأشخاص الذين يعملون في نوبات عمل ليلية، والطيارين وطاقم الخدمة في الطائرات الذين كثيرا ما يضطرون للانتقال من منطقة زمنية إلى أخرى، وغيرهم. ويحتاج الجسم البشري إلى تغير منتظم بين الليل والنهار، والضوء والظلام، حتى يعمل بشكل طبيعي جاءت لفظة «النوم» بمشتقاتها في القرآن الكريم تسع مرات.هذا الاختلال الطيفي، بالإضافة إلى شدة الإضاءة، يعتبران معاً عاملين مهمين خلف زيادة الإحساس بالإرهاق، وخصوصاً بين من يقضون ساعات طويلة في العمل تحت مثل هذا النوع من الإضاءة. نفس هذه الظروف الضوئية، تؤدي أيضاً إلى زيادة واضحة في معدلات الشعور بالقلق والتوتر. حيث أثبتت الدراسات الطبية بالفعل، وجود ارتفاع في معدلات التوتر بجميع أعراضه وعلاماته الطبية، بين العاملين في أماكن أو القاطنين لمنازل، تستخدم فيها إضاءة مفرطة، وخصوصاً من نوع الفلوريسنت. ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، زاعمين أن فرط الإضاءة يعيق ويعطل عملية التعلم لدى الأطفال. فمثلا في حالات صعوبة تعلم الطفل للكتاب،(نجد أن الأطفال المعرضين لأي نوع من التوتر، يصابون بهذه الحالة بمعدلات أكبر مقارنة بأقرانهم. الأثر الآخر لفرط الإضاءة، يتخطى الجانب النفسي والعقلي، ويصيب الجانب العضوي من أجسادنا مباشرة. هذا الأثر يظهر في شكل ارتفاع ضغط الدم، بين الأشخاص المعرضين لفرط الإضاءة لساعات طويلة خلال اليوم. ويعتقد العلماء أن ارتفاع ضغط الدم في هذه الحالات، ينتج بشكل غير مباشر من زيادة مستوى التوتر الذي يتعرض له المعرضون لفرط الإضاءة. هذا التأثير ربما يطرح تفسيراً جيداً للتنبؤات المستقبلية بأن عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم سيصل إلى 1.5 مليار شخص بحلول عام 2025، وهو ما يقارب ربع أفراد الجنس البشري، حسب توقعات النمو السكاني حينها. وهو الأمر الذي إذا ما صح، فستبلغ الزيادة المتوقعة حينها قرابة ال60%، عما كان الوضع عليه في عام 2000. ويعتقد العلماء أن هذه التأثيرات العضوية لفرط الإضاءة، تنتج من استثارة الغدة الصنوبرية الموجودة في قاع المخ، والتي تعتبر المقياس الداخلي للتغيرات الضوئية، الذي يتم من خلاله تحديد الإيقاع اليومي للعمليات الفسيولوجية. اختلال هذا الإيقاع، يؤدي مثلاً إلى تثبيط إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول إلى حد ما عن منع اضطراب ضربات القلب، والوقاية ضد الإصابة ببعض الأمراض السرطانية. هذه الوظيفة الأخيرة للميلاتونين، يعتقد البعض أن استخدام الإضاءة الليلية، وما ينتج عنها من تثبيط لهرمون الميلاتونين، ربما كان هو السبب خلف انتشار الأمراض السرطانية، بين من يعملون بنوبات ليلية، وبين سكان الدول الصناعية بوجه عام. وقفة: كل هذه الآثار والتبعات، تظهر لنا بشكل جلي أن أعضاءنا وأجسامنا، تتفاعل بشكل قوي مع البيئة الضوئية وغيرها المحيطة، وهو التفاعل الذي لابد وأن نضعه في الحسبان، في سعينا نحو حياة صحية أفضل، خالية من القلق والصداع وارتفاع ضغط الدم. [email protected] أستاذ الكيمياء المشارك بجامعه ام القرى بمكة المكرمة رئيس فرع جمعيه البيئة السعودية بمكة المكرمة