مع تغير مجريات الأمور في حياتنا اليومية بأدق تفاصيلها، لم تسلم المدارس من موجة هذا التحول الذي عصف في طريقه بالقيم والمبادئ التي كانت في ما سبق من المسلمات، وإذا كان التعليم قد طالته يد التطوير وذلك بإمداده بالاستراتيجيات الحديثة في طرق التدريس وأدخلت إليه التقنية المتطورة ، ونظمت معاييره بالأنظمة والضوابط ؛ إلا أن العلاقة بين المعلم والطالب في تدهور مستمر ،وكأن العلاقات الإنسانية غير معنية بالتطوير والرقي لتصبح أكثر إنسانية وفاعلية . ولن أبحث اليوم عن أسباب تدهور هذه العلاقة التي من المفروض أنها تقوم على الاحترام و التقدير ، ولكني سأرسم صورة جميلة للمعلم الذي يستطيع فعلا أن يجذب طلابه ، وأن يجعل الرابط بينهما يقوم على الثقة المتبادلة . وبداية من المهم أن يركز المعلم ( المعلمة ) على نفسه أولاً إذا أراد إحداث نقلة نوعية في هذا النوع من التبادل الإنساني بينه وبين طلابه، فالمعلم الناجح المنضبط المرن المُثقف الملم بمادته والذي يحترم كل من حوله ؛ لا يجد مشكلة في التعامل مع الآخرين وبالأخص الطلاب. والطالب كغيره من الناس في عصرنا المتمدن الواعي يبحث عن الجودة والتميز لدى الآخرين ، وإن كان لا يقدمها ولا يطمح إليها ، ولكنه يحرص أن يذهب للخياط الماهر ومهندس السيارات المبدع والطبيب الناجح ،ويتعامل مع هؤلاء بكل احترام لبراعتهم في عملهم، فما المانع أن ينظر الطالب إلى معلمه بنفس الطريقة ؟! الطلاب يقضون مع معلميهم فترة ليست بالقصيرة ؛ مما يجعل الطالب يتفحص معلمه ويراقب سلوكياته وتعامله مع زملائه وطلابه باعتباره قدوة، ومن هنا تتكون المكانة المناسبة له عندهم مما يترتب عليه ؛ إما إقبالهم عليه لدماثة خلقة وأدبه و انضباطه و إخلاصه ؛ فيصبح تأثيره فيهم سهلا سريعا، وإما أن ينفروا منه لغلظته وإهماله وجهله فيرفضون أي بادرة للتعلم وتقبل أنظمته الصفية . أعتقد أن الوصول إلى هذه العلاقة الراقية ليس بالأمر السهل على المعلمين والمعلمات في زمن اضطربت فيه الثوابت وطغت الغرائب ،ولكن أن يبدأ المربي بنفسه في التهذيب و التمسك بالخلق السليم والسلوك الحسن والوسطية ،فإن ذلك أجدى طريقة ليحتذي به الطلاب الذين يتخبطون للبحث عن قدوة . وإذا وجدت في المجتمعات المدرسية فئات من الطلاب خرجت عن المعقول في السلوك إلى التطاول والمشاكسة الحادة؛ فإنهم شواذ أفرزتهم ظروف وبيئات غير سوية،ولا يجب اعتبارهم أغلبية.وقد قالوا قديما (في كل ديرة مقبرة)