الثورة التقنية السعودية العظيمة التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- منذ توليه مقاليد الحكم، يتواصل عطاؤها دون توقف على كل أرض المملكة العربية السعودية. ففي كل صباح نكتشف منجزاً جديداً أضيف إلى رصيد الوطن، وتتنوع الإنجازات مع كل زيارة من زيارات المليك المفدى للمناطق، وهي تجمع بين أمرين مهمين يتعلق الأول منهما ببناء المستقبل للأجيال المقبلة من خلال المشاريع الصناعية والعلمية الضخمة، والثاني ما تمتد به الأيادي البيضاء للمليك لتؤازر الفقراء والمرضى والمحتاجين من خلال اللفتات الإنسانية، وكل ذلك يصب في هدف واحد يؤكده مليكنا -حفظه الله ورعاه- في كل المناسبات، وهو توفير الحياة الكريمة المزدهرة لأبناء الوطن في كل الوطن. ولقد استوقفتني واحدة من هذه المناسبات التي تكاد تكون يومية حين قام المليك مؤخراً بزيارة لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض، لتفقد مرافقها والاطلاع على مراكز أبحاثها وخططها المستقبلية، وقد توقف -حفظه الله- في المركز الوطني لبحوث التقنيات المتناهية الصغر (النانو) وشارك في تجربة لإنتاج (النانو) وشهد مراحلها، كما شاهد -أيده الله- مجهراً إلكترونياً هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط ويعمل بتقنية (النانو). ومع تكرار مصطلح (تقنية النانو)، كان الشاهد من إلقاء الضوء على هذه التكنولوجيا الحديثة التي لا يعرفها الكثير من الناس رغم أنها بسيطة جداً، وشئنا أم أبينا سوف تكون تطبيقات هذه التقنية في محور حياتنا اليومية خلال السنوات القليلة. والنانو علم يهتم بالجزئيات الصغيرة جداً في كل العلوم، وهو يعني بدراسة وتطوير المواد التي أحجامها تقاس بالنانومتر الذي يساوي جزءاً من المليون من المليمتر، وقد وصفه العلماء بأمثلة كثيرة منها أنه يساوي معدل نمو ظفر الإنسان في ثانية واحدة، ومن المتوقع أن تسهم هذه التقنية (النانو) في توفير الجهد والمال والوقت، لدرجة يتوقع معها أن لا نحتاج للأدوية أو العمليات الجراحية في أصعب الأمراض، كما سيسهم في منع حدوث الأمراض الخطيرة بالكشف عن الجينات المسببة لها. والحجم له اعتبار ايضا في عالم النانو فأضخم الحواسب الآلية الموجودة الآن في مراكز البحوث أو الجامعات ستكون في المستقبل القريب في حجم ساعة اليد، كما أن الآلات والمباني سوف تستطيع إرسال إشارات صغيرة لاسلكية عندما تحتاج إلى صيانة، وحتى ثيابنا سوف تأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا إلى أي عوامل بيئية مضرة، كما أنها ستنظف نفسها من الأوساخ والروائح دون مساعدة، ويتوقع العلماء بمشيئة الله إمكانية صناعة غرفة عمليات كاملة في كبسولة صغيرة يتم إدخالها إلى جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العملية الذي برمجه الطبيب فيها. إن تقنية النانو تعد فتحاً عظيماً للإنسان، وسوف تغير في حياتنا – بإذن الله – خلال سنوات قليلة بما لم نستطعه فيما مضى في مئات السنين، من هذا المنطلق ندرك أهمية هذه التقنية في صنع الثورة التقنية السعودية الحديثة التي تسير بخطى سريعة نحو المستقبل الواعد الذي ينتظر أبناء هذا الوطن، وليس بالغريب دعم وتبني خادم الحرمين الشريفين -سدده الله ورعاه- هذه التقنية، خاصة أنه سوف يكون لها دور كبير في إنجازات (جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية) والتي جاء إنشاؤها تحقيقاً للحلم الذي راود مقام الملك المفدى منذ أكثر من ربع قرن، فهل آن لنا أن نواكب هذا التقدم المتسارع بإعداد جيل قادر على فهم هذه التقنية واستخدامها وتسخيرها في خدمة وطننا العزيز.