نموذجية العلاقات اليمنية - السعودية تتجلى في أنصع صورها بما أحرزته هذه العلاقات من نجاحات على صعيد تحقيق التطلعات المشتركة للشعبين الشقيقين وتعزيز روابط الإخاء والتعاون وتبادل المصالح بين البلدين الجارين، حيث اكتسبت هذه النموذجية بُعداً حيوياً مضاعفاً بالتوقيع على معاهدة جدة لترسيم الحدود التي تم التوصل إليها عن طريق الحوار والتفاهم وعلى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" ليقدم البلدان بذلك الحل السلمي المثال الرائع والحضاري في معالجة قضايا الحدود بين الأشقاء بعد أن ظلت هذه المسألة عصية على الحل لأكثر من 60 عاماً وقد مهدت تلك الخطوة الطريق أمام العلاقات بين البلدين للانطلاق صوب إنجاز الأهداف المنشودة وتوسيع آفاق المصالح المشتركة وبناء قاعدة من الثقة مكنت البلدين من قطع أشواط إيجابية ومتقدمة على نطاق التنسيق الأمني الكامل في مواجهة تحديات ظاهرة التطرف والإرهاب، استشعاراً من كليهما لحقيقة أن كلاً منهما يشكل عمقاً لاستقرار وأمن الآخر.. وتبرز نموذجية العلاقات اليمنية- السعودية أيضاً في صورة تلك التحديثات النوعية التي شهدتها مسارات التعاون الثنائي بتوجهاتها وخياراتها الاستراتيجية وبما أتاح لهذه العلاقات امتلاك طابع الديمومة والحيوية والنماء المستدام. وما من شك أن القمة التي عقدت الأحد الماضي بين فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليست سوى واحدة من الشواهد الحية التي تعكس أنموذجية العلاقات اليمنية- السعودية وما تتميز به من طبيعة خاصة وعمق تاريخي وخصائص متفردة جعلت من البلدين، بحكم الجوار الجغرافي وأواصر ووشائج القربى القائمة بين شعبيهما، يمثلان جسداً واحداً وأسرة واحدة تستمد تلاحمها من وحدة الهدف ووحدة المصير. وتتجسد مصداقية وواقعية هذا الترابط الحميم في التقدير الكبير الذي يبديه أبناء الشعب اليمني لمواقف أشقائهم في المملكة سواء ما يتصل منها بالدعم الأخوي المقدم لجهود التنمية في اليمن أو في ما يتعلق بالمواقف الداعمة لوحدة وأمن واستقرار اليمن. وما من شك أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى ضرورة إعطاء الأولوية للعمالة اليمنية في الأسواق الخليجية لم تأت من فراغ، بل جاءت نابعة من إحساس عميق بما يجمع دول الجزيرة والخليج من روابط وثيقة تقتضي من هذه المصفوفة التحرك معاً في اتجاه ما يحقق مصالح شعوبها ويحفظ أمنها المشترك الذي تتشابك حلقاته على نحو يقتضي خلق المزيد من عوامل التماسك والتلاحم وتبادل المنافع بشكل أكبر وصولاً إلى ترجمة آمال أبناء هذه المنطقة في التطور والتقدم والاستقرار. وخادم الحرمين الشريفين بهذه الرؤية إنما يعكس مدى الحنكة التي يتمتع بها حيال التحديات التي تجابه المنطقة والتي تستوجب السعي الجاد والعمل الدؤوب الذي يصون مقدراتها من كل العوارض الطارئة أو المحتملة خاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم أوضاعاً بالغة الصعوبة والتعقيد، والتي لا سبيل لتجاوزها إلا من خلال المزيد من التماسك بين دولنا والاستفادة من الحقائق التاريخية والجغرافية برصيدها الزمني المتراكم على مر السنين. وفي هذا المنطق ما يؤكد على أن استقرار اليمن الموحد فيه مصلحة له ولكافة جيرانه في منطقة الجزيرة والخليج، وانطلاقاً من هذه القناعة فقد تصدر هذا الهدف الخيارات السعودية بصورة خاصة والخليجية على وجه العموم في الرد على محاولات إفساد أوضاع الاستقرار في اليمن وتأزيم أحواله وهو الرد الذي لاحظنا ظهوره المتكرر متسماً بطابع الرفض للممارسات التي تقوم بها بعض العناصر الخارجة على النظام والقانون حيث كان الأشقاء السعوديون في مقدمة من أكدوا على أن الوحدة اليمنية تظل على الدوام عامل استقرار للأمن والسلام الإقليمي وأن الحفاظ عليها يتعدى الهم الوطني ليندرج في نطاق الاهتمام والشأن الإقليمي والدولي أيضاً. وبانحياز الأشقاء والأصدقاء في العالم إلى جانب الوحدة اليمنية يصبح من الواضح أن من يتآمرون عليها من داخل الوطن أو خارجه يعزفون نغمة شاذة ينبذها القاصي والداني على حد سواء. ولا ندري بعد ذلك على أي جنب يمكن أن ينام أولئك المتآمرون.