جرّب العرب والمسلمون النهوض ومواجهة تحديات هذا العصر المتغير بالتغريب الخالص، فلم يفلحوا، واكتشفت نخبهم الداعية إلى مثل هذا التغريب أن “البذرة “لا تنمو في التربة المحلية، وإنما تذهب عبثاً، كما اعترف بذلك الدكتور محمد حسين هيكل، وزير المعارف المصري الأسبق، وصاحب كتابيْ “حياة محمد” و”في منزل الوحي”، وقد ألفهما بعد تحوله الفكري والعقيدي بين مفكرين آخرين. كما جربت قطاعات أخرى الخلاص باصطناع تفسير متشدد ومتطرف للإسلام ليس من طبيعته وسماحته فانتهت إلى ما انتهت إليه مما نراه اليوم رأي العين.. فمن إحراق مدارس البنات، إلى تفجير المعالم الأثرية، التي بقيت طوال تاريخ الإسلام في البلاد الإسلامية ولم تمس بسوء إلا في أيامنا هذه. ولم يبق أمام العرب والمسلمين إلا النهوض بإسلام تجديدي متحرر متسامح ومعتدل، لأن إخفاقهم في ذلك يعني خسارة المصير والمستقبل، حيث لم تبق أمامهم أي “خيارات” أخرى.. إسلام يتفهم طبيعة العصر، ويمكّن المسلمين من مواجهته والتعايش معه. والواقع أن الأغلبية الصامتة في المجتمعات العربية والإسلامية لا تعرف إلا هذا الإسلام المتسامح المعتدل الذي توارثته عبر العصور، لكنها تفتقد القدرة على التعبئة والاحتشاد لتحويل إيمانها إلى تيار فاعل- بل العكس - يجرها المتشددون جراً إلى حيث يريدون. غير أن المراهنة يجب أن تكون على هذه الأغلبية الصامته بإسلامها المتسامح والنظر في أسباب افتقادها للقدرة على التأثير في مجريات الأمور، فما لم يتم ذلك فإن مستقبل المجتمعات العربية والإسلامية رهن بما يدفعها إليه المتشددون تطرفاً وانتحاراً. ومثار الغرابة في الأمر، أن المتشددين والمتطرفين هم الذين يكسبون الجولات الانتخابية بأصواتهم الجهورية عبر صناديق الاقتراع، ونعرف في عالمنا العربي والإسلامي مفكرين وكتاباً يحترمون كلمتهم، ولكن يغطي عليهم من يقلون عنهم علماً ورصانة. ولابد من التنبيه والتحذير من أن “الاعتدال الإسلامي “صار معرّضاً للاختطاف ما لم يعض عليه العرب والمسلمون بالنواجذ. وإذا ما بقيت الأنظمة والتيارات العربية والمسلمة في مواقع المتفرجين، واكتفت بالنظر إلى ما يجري، فإن البساط سيسحب من تحت أقدامها، وستجد نفسها في مسرح لا تستطيع التأثير فيه، بل ستصبح بمثابة “الدمى” على ذلك المسرح، مثلما أصبحت على مسارح أخرى نتمنى ألا يطول بها المقام. ويبقى أن “الاعتدال الإسلامي” هو الحل وهو “البديل” الوحيد المتبقي والخيار الطبيعي، شريطة أن يأتي من قطاعات أصيلة في المجتمعات العربية والإسلامية وليس نتيجة “ترتيبات” مخطط لها في الخارج. بتاريخ 4 12 2008 سبق أن قاربنا مسألة “الاعتدال” التي أشرنا إلى أنها ليست سهلة، وليس ثمة وضوح بشأنها لدى الحكومات أو الرأي العام، وطرحنا شروطاً ومقاييس عدة لتحديدها، وهي باختصار: القبول بفكرة الإسلام المنفتح والمتسامح، أي الإسلام “الأصلي” لا “الأصولي”. القبول بالتطور التاريخي السلمي للدولة بعيداً عن العنف. الانفتاح على الاتجاهات الوطنية الأخرى في المجتمع من دون تخوين أو تكفير، وكذلك اتجاهات الحضارات الإنسانية ودروسها وتجاربها، وربما كان “القبول” الكلامي أو النظري بهذه الشروط ممكناً. ولكن المحك هو القبول العملي بذلك، أي بالأفعال وليس مجرد الأقوال، ووضع البرامج والتنظيمات والقوانين المؤدية إلى هذه الغاية. الخليج الإماراتية