قبل فترة غير بعيدة تابعت صحفنا تطورات أغلى مزاد شهدته الأندية الرياضية السعودية للتعاقد مع لاعب برازيلي .. وبلغت قيمة الصفقة باليورو أو الدولار ما يعادل نحو 140 مليون ريال .. والأهم أن المبلغ لم يحتاج حملة تبرعات ونداءات كالتي تتم من أجل مشروعات خيرية قد تجمع مثل هذا الرقم أو دونه من أثرياء وبسطاء ممن يسارعون إلى الخيرات تكافلا مع مجتمعهم . لكن فلوس الصفقة مع اللاعب كانت جاهزة وحاضرة رهن إشارته .. ولا يهم هنا من دفع وتقدم الصفوف سواء من أعضاء أو من ميزانية النادي .. ولا اعتراض على صفقات الأندية من أجل دعم خطوط الهجوم والدفاع والوسط والأجنحة مما يحقق لها منافسة أقوى ، فكلنا نحب الرياضة وكرة القدم تحديدا ولنا انتماءات رياضية ونشجع أنديتنا .. إنما هل يعقل دفع هذا المبلغ وأعيد التذكير به (140) مليون ريال للتعاقد مع لاعب واحد . عموما ليس هذا كل القضية ، لكنه مثال يشرح نفسه ويطرح علامات استفهام أمام أرقام وإحصاءات من نوع آخر تجعل علامات الاستفهام أكثر مرارة وحيرة عن حجم التناقضات التي نعيشها .. ففي المقابل تقول الأرقام الأخرى : - 6500 أسرة محدودة الدخل تعيش في منازل لا تتجاوز مساحة الواحدة منها 77 مترا مربعا . - إحصائية أخرى توضح جانبا آخر من الصورة بأن 841 ألف أسرة سعودية تعيش في بيوت طينية وخيام وعشش من صفيح أو خشب لا يهم ، فكلها عشش لا تقي قيظ الحر ولا برد الشتاء ، ناهيك عن عيش البؤساء ، ولا يملكون إلا الصبر والرضا ولا يفقدون رجاءً في رحمة الله. ومن رحمة الله أن هؤلاء غالبا لا يقرؤون أخبار صفقة اللاعب البرازيلي أو غيره ممن يجنون عشرات الملايين في موسم وبعقد رسمي يضمن له ملايينه في جيبه إن استغنى عنه النادي ، وما غلا ثمنه إن أنجز وأكمل. بعيدا عن حكاية العقود المليونية ، التي قد (يتطوع) بها أحد الأعضاء عن طيب خاطر وإصرار ونحسن الظن ونقول (محبة وإخلاصا لناديه) فماذا لو كان مثل هذا التبرع أو نصفه لمراكز وجمعيات الإسكان الخيري محبة للفقراء ولمراكز رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة .. والجمعيات الخيرية .. وجمعيات علاج الأمراض المزمنة والمستعصية .. ومراكز غسيل الكلى ولدينا أمثلة مضيئة لمن اختاروا هذا الاتجاه لإيمانهم بأن هذه الأعمال التي هي الباقية بعد عمر طويل.. ولو أن عشرات ومئات الملايين ، بل المليار وهو قليل جدا في حجم رؤوس الأموال وحجم ما ينفق في المظاهر ، وفي نسبة الأرباح .. لو اتجهت بوصلة هذه الأرقام صوب تلك الاحتياجات لكان حال فقراؤنا ومرضانا غير. أيضا لو مثل هذه المبالغ أو نصفها وربعها وبقية الكسور الحسابية تجمعت مثلما يفعل الخيرون ، اتجهت لسداد ديون المعسرين المسجونين في قضايا حقوق خاصة وتيسر على صغار المدانين قبل كبارهم ممن عليهم آلاف معدودة ، لتفريج كربهم وعودتهم إلى أهلهم وأسرهم ، وتخفيف زحام العنابر ، خاصة وأن اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم تواصل جهودها لمساعدة هؤلاء عبر اللجان بالمناطق والمحافظات . إنني من واقع عضويتي باللجنة الوطنية بجدة أعرف عن قرب كم عليها من مسؤولية تجاه المجتمع وأعرف حجم الاهتمام والجهد الذي تبذله وفي مقدمتها رئيس اللجنة الدكتور مازن بترجي والعضو المنتدب الأستاذ عبد المجيد عبد الإله ، لإنهاء معاناة أكبر عدد ممكن من السجناء والمفرج عنهم وأسرهم وتوفير متطلبات معيشية أساسية لهم .. فكم يساوي ذلك في نفوس هؤلاء الذين تعرضوا للإعسار وقسوة معاناتهم بسببه . وكم يحقق هذا التكافل من استقرار وتماسك مجتمعنا وسد ثغراته ومعاناة شرائح واسعة ازداد فيها عدد الفقراء والضعفاء مع ظاهرة غلاء ركبها التجار ولم يتخلف عنها أصحاب العقارات ، وتجرأ الكثير منهم على إجبار السكان (إما الزيادة وإما الطرد) وهذه قضية أخرى تستدعي دراسة ميدانية مع استقصاءات مصلحة الإحصاء الشهرية ، ووضع أنظمة تعيد تقييم الإيجارات. حكاية العقد أبو 140 مليون ريال للاعب أجنبي نكأت جروحا يجب أن تعالج وتشفى بالتكافل وبذل الملايين في الاتجاه الصحيح بدعم جهود الدولة لمكافحة الفقر ، وليس من الصحيح بشكل مطلق المبدأ القائل "من حكم في ماله ما ظلم" إذا لم يكن في هذا المال خيرا للمسلم في أخيه المسلم .. فكيف يكون الحال تجاه أبناء الوطن الأقربين إن كان في انتشال من فقر وديون أو دعما لفرص التعليم والمنح لغير القادرين . المثال الختام هو فيما رأيناه من تبرعات لجامعة عفت للبنات من أجل توسيع وتطوير مسؤولياتها تجاه المجتمع بمزيد من المنح للساعين إلى العلم المتقدم ولا يملكون إليه سبيلا إلا بالجود .. جزى الله خيرا كل أهل الجود نحو فقراء ومعسري مجتمعهم أولا ثم أولا. نقطة نظام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة" [email protected]