لقد ازدحمت حياتنا الاجتماعية بالعديد من المشاغل والارتباطات والأعمال التي يمكن أن تحول بيننا وبين القراءة.. ومن الملاحظ لدينا الآن أن العديد منا يفتقر إلى الوقت الكافي من أجل القراءة والاطلاع لسبب أو لآخر متجاهلين أهمية هذا الفن في بناء شخصية الفرد ومدى ما يطبعه في عقولنا من ثقافة وفكر ووعي وإدراك لكل ما يجول في مجتمعات العالم. فالقراءة قبل أن تكون سلوكا فرديا يستخدمه البعض كيفما يشاء ووقتما يشاء، فهي بشكل أعمق سلوك حضاري ولا أقصد تلك القراءات العابرة المحصورة داخل بوتقة الكلمات والعبارات المكتوبة والهامشية والمقصورة على التجول والتنقل بالبصر بين السطور دون إدراك لمعاني الكلمات، بل أقصد (القراءة) الجوهرية لكل ما يقع في متناول أيدينا، والغوص داخل كوامنها والاحاطة بكل ما تعنيه هذه الكلمات والتعبيرات والنظر بعين ثاقبة لكل ما تحويه هذه السطور وما وراءها من خلفيات وتطلعات نحو المستقبل، فالقراءة عملية حيوية تحتاج لجهود ذاتية وعقلية ونفسية لكي تصل بنا إلى الهدف المنشود، فتكون بمثابة نافذة نطل من خلالها على الدنيا والكون، فنرى ظواهر المجتمع وسلوكياته، ومن ثم التفاعل معها ونبدأ بردة الفعل الإيجابية التي نستطيع من خلالها حل جميع مشكلات المجتمع. ولو دققنا النظر حول مفهوم القراءة سنجد أنها عملية متكاملة مقصورة على الإنسان فقط، كما انها عمل إبداعي، لأن الفرد يقوم بمجهودات عديدة تبدأ بتعلم أسس القراءة، ومن ثم عملية الجهد الشخصي لاختيار المادة المقروءة، وتنتهي بمدى ما يحققه هذا القارئ من إيجابيات فهو يعيش حالة القراءة عبر الإنسانية حاضرها وماضيها، ويتمتع بما فيها من فنون وآداب وأساطير وتاريخ وحقائق يتجاوز بها عمره المحدود، ورغم تعدد الوسائل التثقيفية هذه الأيام كالتلفزيون والإذاعة والصحف وغيرها ،إلا أنها حتى الآن لم تستطع ان تغني عن القراءة لأنها هي الوسيلة البسيطة السهلة التي يتجه إليها الإنسان تلقائيا، وهي أيضا أبسط أداة يمكن أن ترضي طموحات القارئ الذي يتطلع دائما إلى أن يكون واسع المعرفة وأن يلم بكل ما في الحياة. وبها هي فقط يستطيع أن يصل إلى مبتغاه. كما انه يمكن أن يكتشف القارئ مواهب مطمورة داخله لم تكن ظاهرة ليستطيع بها أن يعبر عن نفسه وعن المشاعر داخله وفي النهاية فعلى القارئ الواعي ان يفهم ويحفظ ويستفيد من كل ما يمر به في حياته الاجتماعية وفي معاملاته مع الناس من حوله.