خلال العقود السابقة أخذ ضجيج الحياة يغزو كوكبنا دون رحمة أو هوادة، حتى المناطق الريفية باتت تحن للهدوء الذي غاب عنها دون رجعة، وفي خضم مفردات الحياة العصرية سيطر القلق والأرق والضغط النفسي على السلوك اليومي للبشر، وضاق الصدر فلم يعد الإنسان قادراً على تحمل رأي الآخر واجتهاداته، المقلق أن هذا لم يقتصر على حقل العاملين بالسياسة باعتبارها بيئة حاضنة للتنافر والتناحر، بل تغلغل عنوة إلى الحياة المجتمعية وداخل الأسرة الواحدة، وفي مقاومة ذلك لا بد من البحث عن مفردات وسلوكات تعيد للحياة بساطتها ( دون عكننة ) وتفتح أمام الإنسان أبواب الراحة والطمأنينة وإدراك السعادة، وقد يجد الإنسان ضالته في صغائر الأمور التي لا يعيرها الأهمية المطلوبة، ولعل هذا ما يأتي عليه ( الفينغ شوي )، وهو العلم الذي يهتم بطاقة المكان، وظل هذا العلم وتطبيقاته محصورة داخل الصين لا يجد له آذاناً صاغية في الغرب والعالم المتحضر، حتى بدأ مؤخراً يطرق أبواباً لم يقترب منها سابقاً، وبإختصار فإن الفينغ شوي يتحدث عن تأثر سلوك الإنسان بالطاقة المحيطة بالمكان الذي يتواجد فيه، على اعتبار أن الأشياء تحتفظ بطاقة تكتسبها من الظروف والمكونات المحيطة بها، وقد تكون هذه الطاقة إيجابية أو سلبية، ويعتمد ذلك على حركة الأشياء وألوانها، وبالتالي قد ينتهي أمر ما دون أن تختفي من المكان الطاقة التي خلفها، لتواصل هذه الطاقة تاثيرها سلباً أو إيجاباً ولفترات تعتمد على مدى قدرتها على التنقل بين الأشياء، بمعنى آخر يمكن أن تنتهي المشاجرة الزوجية إلا أن الطاقة السلبية التي نتجت عنها تعشعش في المكان تاركة تأثيرها السلبي على من يتواجد فيه لفترات قد تطول أو تقصر، والشيء ذاته له علاقة بترتيب المكان وتنظيمه حتى أن العديد من الجامعات بدأت تدخل علم الفينغ شوي ضمن المنهاج الدراسي لطلبة هندسة الديكور، وعادة ما يعكف العاملون في مجال الديكور على توفير أكبر قدر ممكن من الطاقة الإيجابية التي تبعث على الإرتياح في المكان وبالتالي تتمكن من ترويض السلوك السلبي وتوفر البيئة المشجعة للإبداع والإنتاج من المؤكد أننا نلمس حقيقة الطاقة الكامنة في الأشياء المحيطة بنا ومدى تأثيرها علينا، ولكننا قد نختلف في القدرة الحقيقية لهذا التأثير، وإن سلمنا بذلك فكم هي الطاقة السلبية التي تسكن ربوع فلسطين التي تجمعت فيها عبر العقود الطويلة السابقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ؟، ومن المؤكد أنها تعاظمت في الآونة الأخيرة بفعل الجرائم الإسرائيلية 0بحق شعبنا من جهة وبفعل المناكفات والمشاحنات السياسية الداخلية من جهة أخرى، من المؤكد أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة قد ترك خلفه طاقة سلبية تسكن المنازل والشوارع والأزقة، وإقامتها داخل الجدران وفي الأشياء المختلفة سيطول، يضاف إلى ذلك الطاقة السلبية التي تقيم داخل كل منزل فلسطيني بفعل الخلافات الداخلية وإفرازاتها الماساوية الملموسة والغير ملموسة، ومن المؤسف أننا عادة ما نحصي خسائرنا الملموسة والظاهرة دون أن نعير انتباهاً لتلك التي لا ترصدها الأعين، وكما يقال ( ما خفي كان أعظم )، وإن كان مشروع إعادة إعمار قطاع غزة قد يسهم في تفريغ جزء كبير من الطاقة السلبية التي تختزنها أطلال المنازل والمؤسسات المدمرة، فإننا بالتأكيد بحاجة إلى مشروع نفرغ من خلاله تلك الطاقة السلبية الكامنة داخلنا والتي فاقمت من درجة العدوانية لدينا تجاه بعضنا البعض. الحياة الجديدة الفلسطينية