* من الأمور التي تثير التساؤل والدهشة- في آن معاً: انصراف الكُتَّاب من الأكاديميين سواء من كان منهم ملتزماً بكتابة عمود أو زاوية يومية أو أسبوعية، ومن كان يكتب بين آن وآخر في شكل شبه ثابت من خلال المناسبات والأحداث أو المداخلات والردود: انصرافهم عن الكتابة في تخصصاتهم العلمية العامة أو الدقيقة، إلى الكتابة في السياسة، بحيث يبدون جميعاً متخصصين في السياسة. * لقد أفنى كل منهم زهرة شبابه، ودفق عافيته، ونور عينيه، في التحصيل والدراسة ويضيف اضافات علمية إلى معارف المشتغلين في مجال تخصصه بما يثريه به من كتابات ودراسات، ويعمل على توعية المجتمع وعامة الناس بما يكتبه لهم من توجيهات ونصح في الصحف. * إن حملة الدكتوراه الذين يكتبون في الصحف - في بلادنا- يمثلون اليوم الأغلبية الساحقة، ولكن لا دور لهم في الكتابة فيها - في مجال تخصصهم - ولا دور لهم كبير - كذلك - في الكتابة في مجال التوعية والتوجيه. ولنا أن نقارن بينهم وبين الذين كانوا يكتبون في الصحف من اصحاب الأعمدة والزوايا، أو الذين كانوا يكتبون بشكل شبه ثابت - في العقود الماضية. فلا يلزمنا الكثير من الجهد لنقول: إن الكتّاب كانوا غير أكاديميين، ولكنهم كانوا يكتبون لدواعٍ غير دواعي الكتّاب المعاصرين. * كتابنا الماضون كانوا أدباء يتحسسون أوجاع مجتمعاتنا، ويعبرون عنها، وكانوا يتلمسون حاجات الناس، ويجسدونها. وكانوا علامات يُهتَدى بها بما يكتبون من التوجيه والنصح والتوعية في مختلف شؤون الحياة، ومرامي المواطنة الصالحة. وكانوا متبايني المشارب والاهتمامات، فمن كاتب عُرف باجتماعياته، ومن كاتب اختصًّ بالاقتصاديات، ومن كاتب حَكّرَ كتاباته في الفنون،ومن كاتب تفرّغ للأدب، ومن كاتب انقطع للقصة القصيرة. * أما كُتابنا الحاليون فأمرهم عجب: يكتبون لأنفسهم. أو عن أنفسهم. بمعزل عن تخصصاتهم، ومن أوجاع مجتمعاتهم، وحاجات ناسهم. فأكثرهم يكتبون في السياسة فقد توصلهم كتاباتهم السياسية إلى مجلس الشورى، أو إلى احدى الوزارات، أو إلى لجان الاستشارة، وإن لم توصلهم إلى شيء من ذلك فهم يضمنون أن كتاباتهم وصلت إلى الأعتاب العالية وقرئت. * ولماذا يكتبون في تخصصاتهم؟! وقد حققوا لأنفسهم فيها ما يريدون؟! * ولماذا يكتبون في أوجاع الناس وحاجاتهم! إذا كان ذلك لا يحقق لهم شيئاً لأنفسهم؟! والأمر يحتاج إلى وقفة أطول. ** قبسة: ما كل من ركب حصاناً خيَّال. قول عربي [email protected] مكةالمكرمة:ص ب:233 ناسوخ: 5724333