لم يدر بخلدي أن تلقى مقالتي بعنوان: (سماجة النفاق أسوأ الأخلاق وأبشع الأخطار) كل هذا التفاعل من إخواني وأخواتي الذين أكرموني بقراءة هذا المقال، وأبدوا التأييد والمشاركة فيما جاء فيه. ويعلم الله أني شديد الخوف مثلهم، بالغ الحذر من نتائج تفشي النفاق. فالنفاق كما بين رسول الهدى صلى الله عليه وسلم له دلائل ثلاثة (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) فكل هؤلاء منافقون. ** ** ** لن أذكر كل ما جاءني من القراء الأعزاء، ومنهم أستاذ الجامعة الذي كتب يقول: (إنك على حق في محاربة النفاق، فهو الآفة، وهو الداء العضال، والمسلم الحق لا يقدم على ممارسة النفاق في أي شكل من أشكاله، وكما تعلم يا أخي أن الاعتراف بالمشكلة وعدم إخفائها هو أول خطوة في الطريق إلى حلها، ولكن إذا غيبت الحقائق ازداد الوضع سوءاً، وتفاقمت المشكلة، وعندها لن يكون هناك مجال للحل). لقد أدرك كثير من دول العالم المخاطر المفجعة التي تصيب الوطن وأهله من جراء انعدام المصارحة في عرض الأمور، والشفافية في الإفصاح والصدق في القول، والأمانة والإخلاص في أداء العمل فأنشأت هيئات فيها تسمى (هيئة الشفافية) تراقب الخلل وتحاسب عليه، وما ذلك إلا بدافع الحرص على سلامة الوطن وأمنه، وحمايته من آفات النفاق وآثاره السلبية. ** ** ** ويرى قارئ آخر أن أكبر خلل يقع في البيئة الاجتماعية، ويصيب المجتمع بالضعف والخذلان هو النفاق والمنافقون، ولا سبيل لنا لإصلاح بيئتنا حتى تصلح أمورنا إلا بردع المنافقين؛ إذ إن النفاق يدمر المجتمعات؛ لأنه يقلب الباطل حقاً والحق باطلاً، ولا يقول للمحسن أحسنت، ولا للمسيء أسأت، ويتساءل قائلاً: أليست هذه خيانة للأمانة؟! وأجيبه بنعم: إنها أكبر خيانة. وللنفاق ألف صورة مزيفة مكشوفة، يعجز المرء عن كل تعدادها. وأنا بذكري لفضائح النفاق لا أقسو على أحد، ولا أتهم أحداً بالذات، ولكني أرجو أن تخلو حياتنا من كل سوء، وتقوم علاقتنا على الطهارة والصدق، والوضوح والصراحة والأمانة، لتعود الثقة بين الناس في تعاملهم إلى الاطمئنان على خلاص حياتهم من خوف الرياء، والنفاق، والتدليس. ** ** ** أتذكر جيداً كيف كانت الحياة في جيل آبائنا وأجدادنا تقوم على الثقة المطلقة والصراحة التامة بين الجميع، حتى بين الحاكم والمحكوم؛ فالبيع والشراء، والتبادل والعطاء، والقروض كانت تقوم كلها على صدق الكلمة، وبراءة الذمة، دون كتابة أوراق أو إيصالات، أو التوقيع على مستندات بذلك، وما كان واحد ينكر حقاً، أو يدلس قولاً، أو كان أحد يتملق مسؤولاً، أو يداهن كبيراً؛ بل كانوا يصدعون بالرأي، ولا يخشون في الحق لومة لائم. ما أحلاها حياة الصدق والنقاء والإخلاص، والثقة بالآخرين، وقول المعروف، والمصارحة بالرأي الصواب دون شطط أو غلظة. ** ** ** المنافق خائف من اكتشاف أمره، وظهور الحق الذي يخلو منه قوله وعمله، ويخشى متوجساً ذلك، وكان هذا شأن المنافقين في كل زمان، قال تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم). أليست طامة كبرى أن يعمد بعض القطاعات الحكومية إلى المبالغة في وصف الانجازات، ويدفع لذلك قيمة إعلانات صحفية عن أعمال يصفونها بصورة مغايرة لغير حقيقتها، فيها الكثير من الزيف والمباهاة. ألم يدرك هؤلاء أن مسؤوليتهم - فيما يقومون به - أمانة، وكل الخزي عليهم والندامة تحيط بهم حين لا يوفون بحق هذه الأمانة، وعهد العمل، والصدق فيما يقدمون، وحتى فيما يقولون عما فعلوه، ولا يزايدون نفاقاً لمن يثنون عليه، أو يقرَّظون عمله دون واقع حقيقي لذلك. ** ** ** - كل شيء خلاف الواقع نفاق. - كل عمل يؤدي لغير قصده الحقيقي نفاق. - كل تقرير يكتب مزايداً في الحقيقة الواقعية نفاق. - كل إعلان أو دعاية خارجة عن الحقيقة، مزايدة فيها نفاق ما بعده نفاق واستخفاف بعقول الناس ومفاهيم الأشياء عندهم. ** ** ** كن أيها الإنسان الكريم خلقاً.. النقي نفساً، النظيف قلباً.. كن صادق الحديث بلا مزايدة، كن منصف الوصف بلا بهرجة، كن مراعياً للحقيقة دون مغالاة، كن أميناً على ما اؤتمنت عليه من عمل أو إدارة. أذكر ذلك كله وكل أملي أن أرى العلاقات العامة والخاصة في حياتنا خالية من الزيف والنفاق، أريد أن يسود الصدق والإخلاص كل معاملاتنا الشخصية، والوطنية، والعائلية، في البيت والعمل، والتعامل، حتى لا نقع في فساد المنافقين، وسوء قدرهم عند رب العالمين؛ فالمنافقون هم أول الناس بعد الكافرين لعنة وعذاباً (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين). (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم). ** ** ** وحين تقوم بعض الأجهزة الحكومية بمراقبة الغش، والتزوير، وعقاب من يُقدم على شيء منه، إنها بذلك تحارب فساداً في الذمم أشد منه النفاق، والتزلف. إن هذا الذي يمارسه المتزلفون، والمنافقون، هو الخيانة بعينها.. ليتنا ننشئ هيئة تحارب هؤلاء المتزلفين، وتردع هؤلاء المبالغين في عرض أعمالهم، والتهويل الزائد، والبهرجة الخادعة لانجازات مؤسساتهم. ليتنا نسعد بقيام هيئة جديدة تسمى (هيئة محاربة النفاق، والتزلف). ** ** ** لقد أدرك كثير من دول العالم المخاطر المفجعة التي تصيب الوطن وأهله من جراء انعدام المصارحة في عرض الأمور، والشفافية في الإفصاح والصدق في القول، والأمانة والإخلاص في أداء العمل فأنشأت هيئات فيها تسمى (هيئة الشفافية) تراقب الخلل وتحاسب عليه، وما ذلك إلا بدافع الحرص على سلامة الوطن وأمنه، وحمايته من آفات النفاق وآثاره السلبية. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.