ليس من المستحيل ان يتحقق حلم انسان على ارض السواد رغم ان الرؤيا في اجوائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية مكتنزة بالضباب وعدم الوضوح. الا ان شبح الطائفية الذي قصف احياء عقولنا واجسادنا وهدم الكثير منها اخذ بالزوال شيئا فشيئا فقد كانت مرحلة حالها حال الكثير من التجارب التي مرت على العراقيين فهم اصحاب تجارب مرة في العنف والاضطهاد والموت. سقط جدار الطائفية ليكشف عن مدى جديد من الامن والاستقرار وكان جهد الحكومة واجراءاتها العسكرية وتنسيق عمل مؤسساتها الامنية واضحا جدا وكبيراً في القضاء على هذه المحنة. غير ان الافق لا يخلو من غيوم العنف التي تمسك سماء وعي الانسان العراقي منتظرة دعوة اخرى تافهة لتحجب الحياة على الجميع مرة اخرى. والظروف المحيطة بالمواطن كلها ملائمة للموت. فكان لابد على الدولة ان تضع خططا استراتيجية لكي يكون عملها منجزا بشكل كامل فانهاء مظاهر العنف وعسكرة الشارع هي خطوة تحتاج الى التوغل بعيدا في جذور الثقافة والوعي ومحاولة انهاء حالة الغضب والعنف الكامن فيها. ولكن لم يكن هذا الامر موجوداً في نية الدولة من خلال كسل مؤسساتها المعنية بهكذا امر. فالشروع بتنفيذ معالجات جذرية لهذا المرض يستدعي مشاركة الكثير من الوزارات بالاضافة الى المؤسسة العسكرية فهناك وزارة الثقافة والاعلام من جهة ووزارة التربية وهي صاحبة الدور الاساسي في هذا العمل. تغير الثقافة يحتاج الى ثقافة تنافس الوعي ولكي لا تبقى سوى شعارات تنادي بها الجهات الحكومية والاحزاب والتنوع الاجتماعي والديني كان من المفروض ان تقوم هذه المؤسسات بوضع خطط فاعلة وامداد الثقافة بكل ما هو متوافق مع ضرورات التجديد الذي يعيشه العراق اليوم وحتى لا يقتصر التجديد على الوجه السياسي فقط بل يمتد نحو جميع الجوانب الاخرى الاجتماعية والتربوية والدينية. ما يؤشر ان هناك عدم رغبة وتكاسلاً من قبل هذه المؤسسات وعدم وجود التخطيط لدى الدولة للقضاء على وحش العنف القابع وسط ظلمة الفقر والجهل والتسلط الديني والقبلي والانحلال الاخلاقي والصدوع النفسية التي احدثتها التقلبات السياسية وتداعياتها على عقل ووعي المواطن كل هذه الاحداث تركت نتوءات خشنة في الذاكرة وكان لا بد من ازالة هذه الشوائب ليس من الظاهر فقط انما تحتاج الى تداخل جراحي لاستئصال الروح العنفية من جسد العراق. وكان مطلوب من وزارة التربية ان تكون صاحبة اول خطوة بهذا الاتجاه لانها المؤسسة المعنية بشكل كبير في تنشئة وتوعية الاجيال بمتطلبات الحاجة العامة.غير ان الواقع يكشف عن انطفاء واسع في عمل وزارة التربية وعدم وجود فكر ابداعي تربوي فيها بل انها لا تملك حتى هدفاً واضحاً ولا اقصد هدف التعليم فهو موجود رغم انزلاقاته الكثيرة الا ان المقصود هو الهدف التربوي. فليس هناك تنسيق بين الوزارة ومديرياتها بوضع خطط تربوية جديدة وتوجيه النشء واستخدام اساليب تربوية تبني وتطهر الروح العراقية الغضة من آثام العنف المنتشر في الثقافة والمجتمع. وكذلك المدارس عبارة عن دويلات صغيرة مستقلة تحكمها ثقافة مناطقية طائفية او سياسية عشائرية وكل معلم يعد نفسه حاكما اوحدا على مئات من الاطفال يغذيهم بمعارف وقيم واعتقادات ومعلومات فردية وشخصية غير منتمية الى مشروع تربوي يخدم اهداف الدولة. اعتقد ان ما تفعله وزارة التربية بهذا المستوى من الجمود في الجانب التربوي يعد كارثة خطيرة يمكنها ان تنهش جسد العراق من جديد. وابسط ما يمكن ان نقوله عن وضع المدارس والتلاميذ فيها وما يحدث من ممارسات غير انسانية وهدامة فهناك ظروف قاسية تتشارك في خلق اجواء ملائمة لاحتضان العنف وترسيخه كثقافة منها ضيق المساحة وكثرة اعداد التلاميذ ومنها ما يتعلق بالاساليب القمعية التي تستخدمها المدارس وكوادرها في تعليم الاطفال. نعم هناك قانون يمنع ضرب الاطفال ولكن اكاد اجزم ان غالبية مدارسنا تعتمد عقوبة الضرب كوسيلة لحل مشاكل الاطفال فهل يعقل ان نستنكر ونرفض عمل الارهابي الذي يختار طريق العنف لاظهار موقفه او التعبير عن رأيه بينما نقوم نحن بغرز ثقافة لدى اطفالنا ونطبع في عقولهم اثراً موجعاً ينمو ليصبح حزاماً ناسفاً او كاتم صوت يتربص عند منعطف مظلم ليغتال العراق من جديد. الصباح العراقية