كلام الله الكريم كله خير وبركة، فيه من المواعظ والحكم لو عَمِلَ الخلق بها لكان حالنا اليوم خيراً مما نحن فيه، ولنا مع هذه الآية الكريمة (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) وقفة ينبغي على كل منا كبير وصغير، رجل وامرأة، ظالم ومظلوم... فهم معناها، فهي التكليف الذي يعقبه الحساب (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) وهي تنطبق على كل عبد مكلف يعيش فوق ثرى الدنيا الفانية جاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع) فالكل سوف يقف ويُسْأَلْ عن ما فعله في دنياه (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم) ولا يتحمل العبد مسئولية ما يقوم به في ثلاث حالات كما جاء عن أهل العلم، وهي: النسيان والإكرارة والاضطرار، فقد روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وما عاد ذلك فأنت مسئول عنه فكيف سيكون حالك وأنت تُسْأَل يوم الحساب من مالك المُلْك عن ما قمت به في دنيا الزوال؟ والأعمال محصاة في سجلات محكمة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ليجزي المُحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وما هو الجواب الذي سيقوله لسانك؟ وليس لك حجة تحتج بها وقد سخر لك المولى في الحياة الدنيا كل سبل الرشاد (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال عليه الصلاة والسلام: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) فمحاسبة النفس من موجبات التربية الروحية، وتقويمها حتى تلتزم بالصراط المستقيم، وأمر الله عباده المؤمنين الخشية من مخالفته، وتقويم ما قدموه من أعمال قبل الوقوف بين يديه (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فياريت من وقفه يقفها كلاً منا مع نفسه ويحاسبها من قبل أن تحاسب، ونصحح المسار الذي نمشي عليه، ونضبط أعمالنا، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية - وقال الحسن البصري رحمه الله - إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته – ومن أقواله كذلك - المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة - وقال ميمون بن مهران - لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه - وعندما سُئِل سهل بن عبد الله التستري عن أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، لأن المخلص يتقن الأعمال الموكلة إليه خوفاً من الحساب، وتوضح لنا صفحات الكتب أسباب ثبات الخليفة عمر بن عبد العزيز والتي منها ابنة عبد الله الذي توجه إليه يوم توليه الخلافة وقال له: يا أَبَتِ إنك سوف تسأل يوم القيامة ويسأل معك أهل بيتك، فأمش على الحق، ولو وضِعْنَا في قدور تغلي بنا، فلا تترك الحق يا أَبَتِ. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من أهل بيتي من يذكرني.فهل لنا أن نتّقي الله في كل أمورنا الحياتية، حتى نَكُنْ من الفائزين برضوان الله وثوابه في الحياة وبعد الممات.ومن أصدق من الله قيلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).