من الظواهر الحميدة الطيبة في بلادنا - ولله الحمد -، وبعض البلدان المجاورة ، ظاهرة الصناديق الخيرية الأسرية التي تنشئها الأسر ، وهي سنة حميدة تزيد من الترابط الأسري والتلاحم ، وتزيد البناء لحمة وقوة وتحاباً، ويتحقق من خلالها التواصل، وصلة الأرحام ، وصلة ذوي القربى بالمعروف ، وهو ما أمرنا به ديننا أولاً وقبل كل شيء ، وهذه الصناديق تندرج أيضاً في سياق مجموعة من الظواهر الطيبة في مجتمعنا كالاجتماعات الدورية للأسر . ولقد اطلعت على تقارير لبعض هذه الصناديق ، يصدرها مجلس العائلة ، فوجدت أن بعضاً منها قد تجاوز الثلاثين عاماً ، وبدأ بمبالغ يسيرة وانتهى بميزانية سنوية بمئات الألوف والملايين ، تسد رمق الجائعين، وترفد المحتاجين، وتساعد المعوزين والراغبين في الزواج ، كما أن لبعض الصناديق أنظمة دقيقة، واستمارات سرية لدى أمناء الصناديق ، قد لا يوجد بعضها في أنظمة بعض الجمعيات الخيرية ، فلكل مستفيد رقم خاص مفهرس في الحاسب الآلي ، يتضمن معلومات دقيقة بما صرف له . وما يزيد على ما في الجمعيات أيضاً موضوع القرض الحسن ، ويتلخص في إعطاء غير المحتاجين لمبالغ معينة دون فائدة ، ممن لا يستحقون الزكاة ولا الصدقة ، ولكنهم يمرون بضائقة مالية أو غيرها ، أو المساعدة في فتح محل تجاري ، ويسدد المبلغ بالأقساط دون فوائد ، وإذا لم يكن لدى الصندوق هذا المبلغ فيتشفع الصندوق له عند أحد الموسرين من الأسرة وتحت كفالة الصندوق .. وبعض الصناديق تعدى نفعها المادي المباشر إلى أمور أخرى ، كالبحث لأبناء الأسرة عن وظيفة . وهناك تنظيم آخر لا يقل أهمية عما سبق ، وهو فرز المبالغ إلى اشتراكات وصدقات عن مبالغ الزكاة ، وصرف كل مبلغ لمستحقيه ، ووفق ما يستحقه شرعاً ، وفي هذا يتحقق أمران في غاية الأهمية ، الأول : أن يضمن المزكي وصول ماله لمستحقيه ، وذلك أمانة في عنق المزكي كفاه إياه القائمون على الصندوق ، والأمر الآخر : أن الزكاة مع ذهابها لمستحقيها تعود لذوي القربى ، وهم مقدمون على غيرهم . وبالتأكيد أن هناك اختلافاً وتبايناً في حجم الصناديق وأنظمتها ، وذلك عائد بكل تأكيد إلى حجم الأسر أصلاً ، وإلى مصادر الدخل لها ، وطبيعة القائمين عليها ، ولكنها في المجمل العام ذات فوائد عديدة ، وتعزز التكافل الاجتماعي بين الأسر ، الذين هم لبنة من لبنات المجتمع . ولقد سعدت حينما سمعت بإقرار مجلس الشورى لتوصية تخص هذه الصناديق ، عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية ، حتى يتم إضفاء شيء من التنظيم على هذه الصنديق أو الجمعيات الأسرية ، ولكنني في نفس الوقت أشدد على أهمية أن يكون لوزارة الشؤون الاجتماعية دور إيجابي في تفعيل هذه الصناديق من خلال تقديم مساعدات استشارية ، وتنظيمية ، ومساعدات مالية لبعض الأسر غير الميسورة ، وضم من يتم ترشيحهم من الأسر ضمن المستفيدين من الضمان الاجتماعي ، واستقبال الفائض من صناديق بعض الأسر إلى الجمعيات الخيرية ، وهذا الأمر "مستحيل" . لقد طالبت في موضوع سابق بضرورة تفعيل بعض المجالس العائلية والأسرية ، وغيرها في الدعم المادي والمعنوي لأفراد الأسرة ، والحث على نشر قيم التسامح ، والتحذير من التعنصر ، والتوعية بآثار حمل السلاح ، ولقد علمت أن بعض الأسر - ومنذ عدة سنوات - أوقفت دعم أسر محتاجة من أفرادها لنزوة شيطانية، وغرور شاب طائش تعدى على نفس بريئة، وأصبحت الأسرة تجمع له غلة الصندوق، وتزيد عليها بسؤال الناس ! ومما لاشك فيه أن الوقاية خير من العلاج ، وهو ما يجب أن يفطن إليه القائمون على شؤون المجالس العائلية ، والصناديق الخيرية ، ولقد رأينا النتاج المثمر ، والجهد الطيب لهذه الصناديق ، والمجالس في تبني الموهوبين والمبدعين من أبناء الأسر ، وتشجيع حفظة كتاب الله ، والمتفوقين دراسياً ، ومعالجة غير الأسوياء والسفهاء ، وأشياء كثيرة تستحق الذكر ، وننتظر المزيد . alomari 1420 @ yahoo . com