حل الدولتين شعار تردد في الساحات السياسية المختلفة المرتبطة بالقضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية, وعلي وجه التحديد منذ أن طرحه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن لأول مرة في عام2002, إن ذلك الشعار قد أصبح بندا من بنود أحد قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع, وجزءا من أدبيات الرباعية الدولية التي تشكلت من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة, وكان يفترض فيها أن ترعي المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وصولا إلي حل الدولتين, أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش في أمن وسلام إلي جانب الدولة الإسرائيلية. ورغم أن المفاوضات بين وفدي الطرفين برئاسة أحمد قريع وتسيبي ليفني ظلت تعقد لفترة تمتد إلي سنوات فإن الظاهرة أنها لم تنته إلي أي شيء ملموس يمكن أن يساعد في ترجمة الشعار إلي واقع معيش. ولقد ساعد علي ذلك العديد من العوامل من أهمها حالة الانقسام والصراع بين فتح وحماس, الأمر الذي أفقد الجانب الفلسطيني قدرة التأثير علي مفاوضات الحل النهائي, وسيطرة اليمين المتشدد مع تهميش اليسار في الحياة السياسية الإسرائيلية حتي انه يمكن القول ان حزب إسرائيل بيتنا هو فرع غير عقلاني من حزب الليكود كما أن حزب كاديما قد انطلق منذ سنوات قليلة أيضا من داخل الليكود ولقد انتهت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة إلي حيازة اليمين الإسرائيلي من خريجي مدرسة الليكود لسبعين مقعدا من أصل مجموع مقاعد الكنسيت المائة وعشرين. وعلي المستوي الدولي, تراجعت أهمية القضية الفلسطينية إلي مركز متأخر علي أجندة اهتمامات القوي الدولية المؤثرة, ففقدت قوة الدفع التي سبق أن ساعدت علي صنع اتفاقيتي سلام بين إسرائيل ومصر في1979 وبينها وبين الأردن في.1994 أضف إلي ذلك أن قوي إقليمية غير عادية عربية وأخري عربية تعاملت مع القضية الفلسطينية خلال السنوات السابقة المذكورة من منطلق أجندات ومناورات تراعي مصالح وحسابات ضيقة صغيرة ترتبط بتلك القوي دون نظر بالضرورة إلي المصلحة الفلسطينية العليا المتمثلة في بناء دولة فلسطينية مستقلة. والمشكلة في حل الدولتين تقع علي الجانب الفلسطيني من المعادلة بالأساس. فعلي الجانب الإسرائيلي, هناك دولة بالفعل, عضو في الأممالمتحدة, ولها شبكة علاقات دولية متميزة بخاصة مع دول الغرب, وهي تملك من القوة والقدرة العسكرية والعلمية والاقتصادية مايكفي حاجتها للدفاع عن نفسها, أما علي الجانب الآخر, فلا توجد حتي الآن دولة فلسطينية علي أرض الواقع, وليس هناك تمثيل للفلسطينيين علي مستوي دولة إلا داخل جامعة الدول العربية, ويناضل الفلسطينيون لبناء دولتهم المستقلة علي الأرض المحتلة في الضفة الغربيةوغزة والتي تمثل22% من أراضي فلسطين التاريخية. حقا إن بناء هذه الدولة الفلسطينية يحتاج إلي إجراءات وحلول لكثير من المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية لدي الفلسطينيين, كما أن تكريس حل الدولتين يتطلب من القوي الدولية الكبري وبخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية منهجا جديدا يقوم علي الجدية في التناول وقبول صيغة دولية جديدة لمعالجة المشكلة تقوم علي التعاون والتفاوض الجاد تحت مظلة وبمشاركة تلك الأطراف الدولية بل وربما تدشين مؤتمر دولي جديد للبحث في سبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة, كما يتطلب الأمر ابتعاد بعض القوي الإقليمية عن المناورات التي تضر بفرص قيام الدولة الفلسطينية في المستقبل المنظور. ورغم ذلك, ولأن اسرائيل لاتزال تحتل الضفة الغربية وتحاصر غزة فإنها الطرف الذي يملك أكبر قدر من التأثير الفعلي علي مستقبل حل الدولتين ولذلك سوف نعرض للخطوات التي يجب أن تتخذها إسرائيل وصولا إلي حل الدولتين. وبداية لابد من القول بأن تركيبة إسرائيل السياسية منذ قيامها, وبخاصة في السنوات الأخيرة, لاتساعد علي توقع حدوث تحول في موقف إسرائيل تجاه بناء سلام حقيقي مع الفلسطينيين. فحكومات إسرائيل الائتلافية تعكس تعددا وتنوعا كبيرين وتضاربا وترددا في الاتجاهات السياسية الاستراتيجية, وهو الأمر الذي يجعل من عنصر الأمن عنصرا حاكما في الحياة السياسية الإسرائيلية بما يصل أحيانا إلي مستوي الاضطراب في فهم الواقع وتحدياته والمبالغة في تقدير التهديدات إلي حد اختلاق الأوهام أحيانا. يزيد من ذلك أن قيادات إسرائيل الحالية ليست من بين القيادات التاريخية الكبري مثل بيجن ورابين, أو حتي شارون, التي يمكنها ان تتجه إلي صنع سلام حقيقي مع أي طرف عربي. يزداد الأثر السلبي لتلك الظاهرة في حالة العلاقة مع الفلسطينيين, إذ ان قبول قيام دولة فلسطينية, حتي وإن كانت ضعيفة أو محدودة القوي, سوف يعني قيام حدود دولية مباشرة لإسرائيل معها, وهو مايفقد إسرائيل العمق الاستراتيجي المحدود الذي كان قد أضيف إليها باحتلالها للضفة وغزة في.1967 ويعني ماتقدم أن قيام دولة فلسطينية مستقلة سيكون مرهونا بحدوث تغيير جوهري في طريقة تفكير إسرائيل السياسية والأمنية لتقبل بمخاطر التحول إلي دولة شرق أوسطية طبيعية تعيش في سلام مع جيرانها الفلسطينيين والعرب بدلا من كونها دولة شاذة تعيش علي الحرب والعدوان واستثمار علاقاتها الخاصة مع الغرب الذي تعتبر نفسها امتدادا حضاريا له في غير نطاقه الطبيعي. وفي هذا السياق سيكون علي إسرائيل أيضا أن تغير من نظرتها إلي مستوطناتها في الضفة الغربية وألا تصر علي ضمها إلي إقليمها, وأن تقبل إما بتفكيك هذه المستوطنات وقد سبق لها أن فعلت ذلك عندما فككت مستعمرة ياميت في سيناء المصرية, وإما أن تقبل باستمرار هذه المستوطنات في الضفة كأحياء يهودية في دولة فلسطينية مستقلة وليد ودون أن تملك إسرائيل عليها أي سيادة أو سلطة. ويتصل بذلك ضرورة تغيير موقف إسرائيل من مسألة وجودها العسكري والاستيطاني في منطقة غور الأردن في شرق الضفة الغربية, إذ لايعقل أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة إذا استمر ذلك الوجود الإسرائيلي علي حدودها الشرقية مع الأردن وهو وضع ليس له مثيل في العالم كله. كذلك سيكون علي إسرائيل أن تقبل أن تكون القدسالشرقية, ربما باستثناء الحي اليهودي بها, عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة, ذلك أن الإصرار علي ضم القدسالشرقية إلي الدولة الإسرائيلية يعني مباشرة نسف أية فرصة للأخذ بحل الدولتين, خطوة أخري مهمة علي طريق حل الدولتين ستكون مطلوبة من إسرائيل وهي قبول فكرة الحل العادل لقضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين, ويمكن أن يكون البند الخاص بهذه المسألة من مبادرة السلام العربية لعام2002 حلا عمليا لهذه المشكلة, فلا بد من الإقرار بحق العودة من حيث المبدأ مع إدراك أن بعض اللاجئين الفلسطينيين ربما يختارون البقاء في البلاد التي يعيشون فيها لعقود من الزمن بدلا من العودة إلي ديارهم داخل إسرائيل. كذلك سيكون علي إسرائيل, في إطار هذا التوجه الاستراتيجي المقترح لقبول حل الدولتين وتنفيذه, أن تغير من موقفها واستراتيجيتها في شأن مسألة الجدار العازل وذلك بعدم استكمال بنائه وإيقاف أي أنشطة وعدم اعتبار ذلك الجدار خطا للحدود بين الضفة الغربية وإسرائيل, وترك مسألة التعامل مع ذلك الجدار لحكومة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد قيامها. تلك خطوات نراها ضرورية سيكون علي إسرائيل اتخاذها, وهي خطوات صعبة بكل تأكيد, ولكن من دونها سيظل حل الدولتين شعارا أجوف كما كان علي مدي السنوات السبع السابقة. الأهرام المصرية