التقي في الأماكن المختلفة وجوه سعودية يكون للقاء معها وقع خاص حيثما كان المكان.ففي هذا الشهر حيث أقوم بالتدريس والمحاضرة في كلية أمريكية في ولاية ماستشوسس، كنت في اجازة عطلة الأسبوع مع أسرة يمنية وعراقية في مركز تسوق كبير في مدينة بوسطن، عاصمة الولاية. وبينما كالعادة تداخل الحوار بيننا ليشمل قضايا العرب المختلفة، فانطلقنا نشرق في قضايا العرب ونغرب، إذ حلت أسرة مع طفل داخل عربته بجوارنا. وبدى على وجوه الزوجين نظرة ابتهاج موجهة الينا سرعان ما اجتذبتنا للحديث معهم. كان الزوجان الشابان مع طفلهما الجميل يحدثاننا عن المنطقة التي يسكنان فيها ولا يوجد فيها أحد من العرب. وبعد قليل من الحديث عرفنا أنهما من السعودية يدرسان معا، ويربيان طفلهما في ظل تعقيدات مختلفة تجعلهما يتناوبان العناية بالطفل خلال ذهاب أحدهما الى كليته. لكن شعورهما بالغربة في ظل غياب وجود عرب أو مسلمين في منطقة سكنهما كان شديدا، وعبرا عنه بكل وضوح. شباب طامحون ومتفوقون يريدون أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم المختلفة بأفضل الطرق الممكنة. تبادلنا العناوين وتم الاتفاق بينهم وبين الأسرة اليمنية التي كانت معنا على تبادل الزيارات، ففي الغربة يصبح التقارب سهلا، وتصبح أواصر اللغة والدين والتاريخ المشترك أكثر قوة وحيوية. وجوه مبدعة: كنت قبل شهر قد مررت على معرض الكتاب في القاهرة، وفي جناح المملكة السعودية استوقفتني مجموعة من الأعمال الفنية لرسامات سعوديات مبدعات، باحت اللوحات بكثير من المعلومات عن ينابيع مخزونة من الموهبة المتقدة والقدرات الباحثة عن منفذ. وفي وسط الجناح زاوية بها أعمال فنية من الفضة مزخرفة بشكل يوحي بامتداد التاريخ، ومسايرته للحاضر. تشعر أمام بعض هذه الأعمال وكأنها صنعت في فجر الحضارة العباسية وزمن هارون الرشيد، لكن استخداماتها تجعلك تدرك أن ذلك لايمكن أن يتم الا اليوم وانه ابداع حديث يزاوج بين الماضي والحاضر بشكل جميل. وبينما كنت في استغراقي المتأمل سألتني امرأة شابة عن انطباعاتي فعبرت لها عن ما كنت أشعر به وما كان يجول في خاطري. فرأيت وجهها يشرق وابتسامتها تتسع وهي تشكرني وتقول لي أن هذه أعمالها. كان أثر كلماتي عليها كبيرا، فليس أطيب على قلب الفنان من معرفة تفاعل وانفعال الناس بأعماله. تحادثت قليلا مع الفنانة السعودية التي كانت شديدة التأثر بأي تفاعل من حولها، وكانت تقدم أعمالها بتواضع مفرط. قلت لها أن أعمالها الفنية وأعمال زميلاتها في معرض الكتاب رسالة تخبر زوار العالم عن نساء السعودية المبدعات، وعن قدراتهن المتميزة، التي لا يعرف العرب الكثير عنها. تبادلت أنا والفنانة المبدعة بطاقات التعارف وتناولت منها حبة تمر أصرت أن أتذوقها من تمر المدينة الحبيبة كانت مخبأة داخل صندوق فضي ينفع للهدايا، وضعت حبة التمر في فمي وانطلقت في طريقي مفعمة القلب بالمودة. [email protected]