** هناك مواقع لا يمكن سلخها من الذاكرة وتزداد بروزاً كلما تقادمت الأيام.. فأنت تذهب إلى الدارالبيضاء في المغرب فيقفز إلى ذاكرتك "الحبوس" بمكتباته الشهيرة وصناعاته التقليدية ومبانيه التاريخية. إلى مراكش فتنثال على ذهنك ساحة – الفناء: بكل صور حركة الحياة فيها بطقوسها وصوفيتها فترى كل متناقضات الزمان الذي يشدك من عصرك المرفه هذا إلى أزمان سحيقة. تذهب إلى القاهرة فيبهرك بهاء الحي الحسيني بتاريخه وتلمح على مشربيات منازله تلك الشخوص التي جسدها أبو الرواية العربية نجيب محفوظ بمقاهيه في أزقته الرطبة فتستشعر ذلك الماضي بكل ما فيه من حميمية تكاد تعيش فصولها. تذهب إلى بيروت فتسوقك قدماك إلى "السلودير" بعد أن اندرست معالمه القديمة في ساحة النجمة بأسواقها ومصارفها فيأتيك "السلودير" رغم حداثته "ومودرنته" ليعطيك إحساساً خاصاً بالمكان. تذهب إلى مكةالمكرمة فتأخذك أقدامك إلى المدّعى أو الجودرية فتلمح التاريخ يحكي لك عن زمن كان مليئاً بعفوية الناس. تذهب إلى الرياض وتجد هناك البطحا باختلاط الناس الذين تغيرت سحناتهم ولكن المكان لازال يحتفظ بذاكرته تماماً. وتذهب إلى جدة فهذا شارع قابل: يقبل منك جفوتك ويحضنك بذكرياته التي تطفو في كل لحظة.. ماذا أذكر من المدن التي لازالت تحتفظ بذاكرتها.. فهذه دمشق لازالت تستمع إلى ما تردده جنبات "الحميدية": من المسكي لسوق الحميدية أنا عارفه السكة لوحديّه كل هذه المدن وغيرها لازالت تحتفظ بذاكرتها حية شاهدة. مدينة واحدة فقط فقدت ذاكرة شارعها الذي أوجد قبل أكثر من مئة عام لينافس أشهر شارع الآن في تنظيمه "الشانزليزيه" بذلك التصميم الهندسي الذي راعى فيه مهندسه "التركي السلطاني" الظروف المناخية صيفاً وشتاءً. بهذين "الرواقين" على جانبيه تقيهم حرارة الشمس صيفاً وغزارة الامطار شتاءً: أقصد بذلك "الشارع العتيد" شارع العينية بالمدينة المنورة ،سؤالي الحالم: هل يمكن إعادته "بمواصفاته تلك" كسوق تجاري الآن؟