جهزت لرشا هديتها السنوية بمناسبة احتفال الأسبان بعيد ميلاد السيد المسيح ، وكانت قد اختارت هديتها قبل أشهر ، بلوزة مشغولة باليد على طراز لباس المرأة الفلسطينية عرضت في جناح فلسطين بالسوق الخيري الذي تقيمه سيدات السلك الدبلوماسي العربي مرة كل عام، وجاءتني صباح هذا اليوم السادس من يناير ( وهو يوم أعياد الريس: الملوك الثلاثة الذين استرشدوا بنجم ساطع للوصول إلى المغارة التي ولد فيها السيد المسيح وفقا لما تذكره الأناجيل) لتستلم هديتها ، فلاحظت أنني لم أشاركها فنجان قهوة الصباح. استفسرت عن السبب فأجبتها الصوم، فهذا اليوم ووفقا للتقويم الهجري هو يوم عاشوراء، يوم يستحب فيه الصيام تأسيا برسولنا الكريم محمد بن عبد الله وتأكيدا على أحقيته ( عليه الصلاة والسلام ) بنبي الله موسى (عليه السلام) من اليهود الذين كانوا يصومون هذا اليوم من كل عام شكرا للرب الذي نجى بني إسرائيل من عدوهم . شكرتني رشا على الهدية مرددة "نصيبكم يصيبكم" ، فهديتها هذه حجزت منذ أشهر وقبل أحداث غزة المؤلمة التي أرغمت والديها على شطب بند هدايا عيد الميلاد ورأس السنة وتحويل مبالغها للصامدين في غزة، ولولا أن هديتها قد اختيرت قبل أحداث غزة لما قبلتها. وتابعت معي ما تعرضه شاشة التلفاز مباشرة من غزة من إجرام الصهاينة الذي فاق التوقعات وعلى وجهها الكثير من الحزن والألم. قالت بأن بشاعة ما تقوم به إسرائيل من إجرام في غزة سيدخل قادتها سجل غينز الذي يوثق الأعمال غير المسبوقة ، وهو سجل يحظى بمصداقية الجميع ، وبالتالي سيكون دليل تجريم لقادة إسرائيل و لمن وراءهم من القادة المتحكمين في شؤون العباد ،وجميعهم سيمثلون قريبا أو بعيدا أمام محكمة العدل الدولية كمجرمي حرب. استمعت معي إلى موجز للأخبار وفيه أن رئيس السلطة الفلسطينية وشخصيات سياسية مرموقة من العالمين العربي والإسلامي في طريقهم إلى نيويورك لحث مجلس الأمن على استصدار قرار أممي يرغم إسرائيل على وقف عملياتها العسكرية في غزة، وتساءلت ما الفائدة وإسرائيل قد رفضت كل القرارات الدولية التي أدانتها منذ عام 1948 وحتى اليوم؟ وما الفائدة وإسرائيل ترفع على برلمانها خارطة دولتها من الفرات إلى النيل؟ وتعمل وبدعم من القوى الكبرى المفترية على تحقيق هذا الحلم. وتضيف رشا القول بأن والدها وهو يتحدث مع أصدقائه مساء أمس عبر عن يأسه من وقوف مجلس الأمن إلى جانب الفلسطينيين ما دام سلاح الفيتو الأمريكي يقف مع الإسرائيليين في حربهم القذرة على أهالي غزة، ويرى أن ما من طفل في فلسطين ومصر وسوريا والأردن ولبنان إلا وخسر عزيزا عليه جراء حروب الاستئصال العرقي التي مارسها الصهاينة من إسرائيليين و مسيحيين متصهينين ضد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا. وأطفال اليوم وهم يشاهدون شاشات التلفزة مباشرة ويرون الألوف ممن هم في عمرهم من الأطفال وآبائهم وأمهاتهم ما بين قتيل و جريح ومشرد من جراء الحرب القذرة التي تقوم بها قوات الدفاع الإسرائيلي بنيران الجيش الإسرائيلي ضد أهالي غزة العزل والمحاصرين برا وجوا وبحرا سيكون لهم موقف مغاير من المفاوضات التي تجريها السلطة مع مغتصب أرض آبائهم و سافك دم أهلهم، ولن يقبلوا بأي حلول تصفية تطبخ على نار هادئة كإقامة دولة فلسطينية على أقل من خمس مساحة البيت الفلسطيني لا تملك من متطلبات الدولة أكثر من العلم وجواز السفر، أوصالها مقطعة بالمستوطنات ومحاصرة بجدران العزل ولقمة عيش أهلها مرهونة بولاء الفلسطينيين للدولة الصهيونية، وبواباتها رهن إرادة إسرائيل تفتحها و تقفلها وقتما تشاء. ولن يرضي أبناء فلسطين الذين يتابعون حرب إسرائيل على أهالي القطاع إلا بكامل بيتهم الفلسطيني الذي يملكون حقهم فيه منذ زرع أجدادهم العرب على جباله و هضابه أشجار الزيتون، وسيعملون عندما يشتد عودهم على المطالبة بدولة علمانية على كامل أرض فلسطين ، تماما كما تمت تسوية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ، وأن الأم الفلسطينية التي تعوض عن كل ابن لها يسقط في معركة الكرامة بولادة طفلين أو أكثر ، ستلد ومنذ اليوم أكثر من مانديلا فلسطيني تعلق عليه الآمال في قيادة أمته إلى التعايش المشترك بين كل من يرغب الحياة بسلام على أرض السلام وأن يوما كهذا ليس ببعيد. وغادرت رشا وهي تكتم صرخة ألم من جراء مشاهدتها صاروخا إسرائيليا ينطلق من طائرة أمريكية فيصيب سكنا آمنا ويقتل أسرة غزاوية بكامل أطفالها.